المنسوب إليه ، ونُشر هنا بشكله الحالي هذا، في إطار منهجي حسب ترتيب السور القرآنية؛ لكي يتسنّى من خلال عرض الروايات التفسيرية لأبي الجارود في أعقاب الآيات، تمهيد الأرضية أمام الباحثين في حقل التفسير الروائي.
ولكن في هذه الطبعة لم نتعرّض إلى مدى اعتبار محتوى هذه الروايات، ونأمل أن يجري هذا الأمر في بحث آخر يتمّ فيه تحليل محتواها ونقده.
وعلى الرغم من أنّ القسم الأعظم من الروايات التي نقلها أبو الجارود تتّفق مع مبادئ الإمامية في التفسير، إلّا أنّ عدداً منها يبقى موضع بحث ونقاش؛ وذلك لأنّ ظاهرها لا يتّفق مع رأي أهل البيت عليهم السلام ، إلّا اذا كان هناك توجيه لها. ولابدّ من الإشارة طبعاً إلى أنّ عدد أمثال هذه الروايات قليل جدّاً، ولا يكاد يمثّل إلّا جزءاً يسيراً بالقياس إلى الروايات المعتبرة لأبي الجارود.
ومن تلك الروايات التي يُحتمل جدّاً أنّها صدرت تقيّة، هي الرواية التي تنصّ على انتقاض الوضوء بمجرّة ملامسة المرأة دون وطئها في الآية الشريفة: «وَِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْجَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَآلِطِ أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا»۱ حيث نقل عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه سمعه يقول في تفسير هذه الآية: «القُبلَةُ واللّمس باليد هو ينقُضُ الوضوء، وهو ما دونَ الجماع». وظاهرها أنّ تقبيل المرأة أو لمسها باليد من الموارد التي توجب نقض الوضوء، وهذا يعني أن كلّ عمل يمارسه الرجل مع المرأة يوجب نقض الوضوء وإن لم يكن جماعاً.
ولكنّ هذه الرواية واجهت إشكالين:
أوّلهما: أنّها تتعارض مع الروايات التفسيرية التي تفيد أنّ اللمس في هذه الآية كناية عن الجماع۲.
وثانيهما: أنّ نقض الوضوء بالمس يتّفق مع رأي أهل السنّة ويتطابق مع فتاوى فقهائهم، وكانت هذه الفتوى شائعة في عهد الإمام الباقر عليه السلام الذي قدّم رأياً مخالفاً لها۳.
ومن هذه الروايات أيضاً رواية اُخرى جاء فيها ما مضمونه: إنَّ عبارة: «منهم ظالم لنفسه» التي وردت في الآية الشريفة: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِى وَ مِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقُم بِالْخَيْرَ تِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَ لِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ»۴ فسّرها نقلاً عن زيد بن عليّ عليه السلام ب «الشاهر سيفه»، وهذا يتماشى مع رأي الزيدية الذين استدلّوا بهذه الآية على صحّة وصواب منهجهم.
1.النساء: ۴۳.
2.عن الحلبي ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: سأله قيس بن رُمّانة، قال: أتوضّأ ثمّ أدعو الجارية فتمسك بيدي، فأقوم واُصلّي أَعَلَيَّ وضوءٌ؟ فقال: «لا»، قال: فإنّهم يزعمون أنّه اللمس؟ قال: «لا واللَّه، ما اللمس إلّا الوقاع» يعني الجماع، ثمّ قال: «كان أبوجعفر عليه السلام بعد ما كبر، يتوضّأ، ثمّ يدعو الجارية فتأخذ بيده فيقوم فيصلّي». البحراني، البرهان في تفسير القرآن ، ج ۲ ، ص ۸۴ .
3.القمّي، المشهدي، محمّد بن محمّد رضا، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، ج ۳، ص ۴۱۵.
4.فاطر: ۳۲.