245
تفسیر ابی الجارود و مسنده

الوُجوهِ ، فلمّا قصَدَ أهلَ النّهروانِ وصِرنا بِالمَدائنِ وكنتُ يَومَئذٍ مُسايراً لهُ ، إذ خَرجَ إلَينا قَومٌ من أهلِ المَدائنِ مِن دَهاقينهِم‏۱ معهُم بَراذينُ‏۲ قَد جاؤوا بِها هَدِيَّةً إلَيه ، فقَبِلَها ، وكانَ فيمَن تَلَقّاهُ دِهقانٌ مِن دَهاقينِ المَدائنِ يُدعى‏ «سَرسَفيلَ» ، وكانتِ الفُرسُ تَحكُمُ بِرأيهِ فيما يَعني‏۳ ، وتَرجِعُ إلى‏ قَولهِ فيما سَلَفَ ، فَلمّا بَصُرَ بِأميرِ المُؤمنينَ - صَلواتُ اللَّهِ عليهِ - قالَ : يا أميرَ المُؤمنينَ ، تَناحَسَتِ النُّجومُ الطّوالِعُ ، فَنَحُسَ أصحابُ السُّعودِ ، وسَعَدَ أصحابُ النُّحوسِ ، ولَزِمَ الحَكيمَ في مثلِ هذا اليومِ الاختفاءُ وَالجُلوسُ، وإنّ يَومَكَ هذا يَومٌ مُميتٌ، قَدِ اقتَرَنَ فيهِ كَوكَبانِ قَتّالانِ، وشَرُفَ فيه بَهرامُ‏۴ في بُرجِ الميزانِ ، وَاتَّقَدَت مِن بُرجِكَ النّيرانُ ، ولَيسَ لكَ الحَربُ بِمَكانٍ !
فتَبَسَّمَ أميرُ المُؤمنين - صَلَواتُ اللَّهِ عليهِ - ثُمّ قال : «أيُّها الدِّهقانُ المُنبِئُ بِالأخبارِ ، وَالمُحَذّرُ من الأقدارِ ، أتَدري ما نَزَلَ البارِحةَ في آخِرِ الميزانِ ، وأيَّ نجمٍ حَلَّ [فِي‏۵ السَّرَطانِ ؟» .
قال : سَأنظُرُ ذلِك . وأخرَجَ من كُمِّهِ اُسطُرلاباً وتَقويماً .
فقالَ لهُ أميرُ المُؤمنينَ - صَلَواتُ اللَّهِ علَيهِ - : «أنتَ مُسَيِّرُ الجارِياتِ ؟» .
قالَ : لا .
قالَ : «أفَتقضي على‏ الثّابِتاتِ ؟» .
قال : لا .
قالَ : «فَأخبِرني عن طولِ الأسَدِ ، وتَباعُدِهِ عَنِ المَطالِع وَالمَراجعِ ، ومَا الزُّهرَةُ مِنَ التّوابعِ والجَوامعِ ؟» .
قالَ : لا عِلمَ لي بِذلِك.
قالَ : «فَما بينَ السَّواري‏۶ إلى‏ الدَّراري ، وما بَينَ السّاعاتِ إلى الفَجَراتِ ، وكَم قَدرُ شُعاعِ المَدراتِ ، وكَم تَحصيلُ الفَجرِ في الغَدَواتِ ؟» .
قالَ : لا عِلمَ لي بِذلِك .
قال : «هَل عَلِمَت يا دِهقانُ أنّ المُلكَ اليَومَ انتَقَلَ مِن بَيتٍ إلى‏ بَيتٍ فِي الصّينِ ، وتَغَلَّبَ‏۷ بُرجُ ماجينَ ، واحتَرَقَت دورٌ بِالزِّنجِ ، وطَفَحَ جُبُّ سَرَنديبَ‏۸ ، وتَهَدَّمَ حِصنُ الأندُلُسِ ، وهاجَ نَملُ السّيحِ‏۹ ، وَانهَزَمَ مُرّاقُ الهِندِ ، وفُقِدَ رُبّانُ اليَهودِ بِأَيلَةَ ، وجُذِمَ بِطريقُ‏۱۰ الرّومِ بِرومِيَّةِ ، وعَمِيَ راهبُ عَمّورِيَّةَ ، وسَقَطَت شُرافاتُ القُسطَنطينِيَّةِ ؟ أفَعالِمٌ أنتَ بِهذهِ الحَوادثِ وما الَّذي أحدَثَها ، شَرقَها وغَربَها۱۱ مِنَ الفَلَكِ ؟» .
قالَ : لا عِلمَ لي بِذلكَ .
قالَ : «فَبِأيِّ الكَواكبِ تَقضي في أعلى‏ القُطبِ ، وبِأيِّها تَنَحَّسَ مَن تَنَحَّسَ ؟» .
قالَ : لا عِلمَ لي بِذلِكَ .
قالَ : «فَهَل عَلِمتَ أنَّهُ سَعِدَ اليَومَ اثنانِ وسَبعونَ عالَماً ، في كُلِّ عالَمٍ سَبعونَ عالَماً ، مِنهم فِي البَرِّ ، ومِنهُم فِي البَحرِ ، وبَعضٌ فِي الجبالِ ، وبَعضٌ في الغِياضِ ، وبَعضٌ في العُمرانِ ، فما الَّذي أسعَدَهُم ؟» .
قالَ : لا عِلمَ لي بِذلِكَ .
قالَ : «يا دِهقانُ ، أظُنُّكَ حَكَمتَ على‏ اقتِرانِ المُشتَري وزُحَلَ لَمّا استَنارا لَكَ في الغَسَقِ ، وظَهَرَ تَلألُؤُ المِرّيخِ وتَشريقُهُ في السَّحَرِ ، وقَد سارَ فَاتَّصَلَ جُرمُهُ بِنُجومِ تَربيعِ القَمَرِ ، وذلِكَ دَليلٌ على‏ استِخلافِ ألفِ ألفٍ من البَشَرِ ، كُلُّهُم يولَدونَ اليَومَ

1.الدُّهقان : رئيس الإقليم ، وزعيمُ الفلّاحين ، والتاجر ، معرّب . اُنظر : تاج العروس : ج ۱۸ ص ۲۱۳ (دهقَن) .

2.البِرذَون : الدابّة. الصحاح : ج ۵ ص ۲۰۷۸ (برذن) .

3.كذا ، وفي بحار الأنوار : «فيما مضى‏» .

4.بَهرام : المرّيخ . اُنظر : لسان العرب : ج ۳ ص ۵۴ (مرخ) .

5.]الزياده من بحار الأنوار .

6.في بحار الأنوار : «السَّراري» .

7.في بحار الأنوار «وانقَلَب» .

8.سَرنديب : بلدٌ معروف بناحية الهند. لسان العرب : ج ۱ ص ۴۶۷ (سرندب). وهي جزيرة سيلان .

9.السّيح : اسم ثلاثة أودية باليَمامة. تاج العروس : ج ۴ ص ۹۸ (سيح). وفي بحار الأنوار : «الشيح» .

10.البِطريق : القائد مِن قُوّاد الروم ، وهو مُعَرّب. الصحاح : ج ۴ ص ۱۴۵۰ (بطرق) .

11.في بحار الأنوار : «شرقيّها أو غربيّها» .


تفسیر ابی الجارود و مسنده
244

حِجابِ اللَّهِ ، مَطوِيٌّ عَن خَلقِ اللَّهِ ، مَختومٌ بِخاتَمِ اللَّهِ ، سابِقٌ في عِلمِ اللَّهِ ، وَضَعَ اللَّهُ العِبادَ عَن عِلمهِ ، ورفَعَه فَوقَ شَهاداتِهِم ومَبلَغِ عُقولِهِم؛ لِأنَّهُم لا يَنالونَهُ بِحَقيقةِ الرَّبّانِيَّةِ، ولا بِقُدرَةِ الصَّمَدانِيَّةِ، ولا بِعَظَمةِ النَّورانِيَّةِ، ولا بِعِزَّةِ الوَحدانِيَّةِ ؛ لأنَّهُ بَحرٌ زاخِرٌ۱ خالِصٌ للَّهِ‏ِ تَعالى‏ ، عُمقُهُ ما بينَ السَّماءِ وَ الأرضِ ، عَرضُهُ ما بينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، أسوَدُ كَاللَّيلِ الدّامِسِ ، كَثيرُ الحَيّاتِ وَالحيتانِ ، يَعلو مَرّةً ويَسفُلُ اُخرى‏ ، في قَعرِه شَمسٌ تُضي‏ءُ ، لا يَنبَغي أن يَطَّلِعَ إلَيها إلّا اللَّهُ الواحِدُ الفَردُ ، فمَن تَطَلّعَ إلَيها فَقَد ضادَّ اللَّهَ عزّ و جلّ في حُكمِهِ، ونازَعَهُ في سُلطانِهِ ، وكَشَفَ عَن سِترِهِ وسِرّهِ ، وباءَ بغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ، ومَأواهُ جَهَنَّمُ وبِئسَ المَصيرُ» .۲

۳۳۸.فرج المهموم : الحديثُ الثالثُ والعِشرونَ : في احتجاجِ مَن قولُه حُجّةٌ في العلومِ على‏ صِحّة علمِ النّجوم؛ وهو ما رَويناهُ بِإسنادِنا عن الشّيخ السعيد محمّد بن رستم بن جرير۳ الطبريِّ الإماميّ رضوان اللَّه عليه في الجزءِ الثاني من كتاب (دلائلِ الإمامةِ)۴، قال : أخبرني أبو عبد اللَّهِ الحسينُ بن عبد اللَّهِ الحربِيّ وأبو الحسينِ محمّد بن هارون بن موسى بن أحمد التَلَّعُكبريّ ، قالا : حدّثنا أبو محمّد هارونُ بن موسى بن أحمد التَلَّعُكبريّ قدس سره ، قال : حدّثنا أبو الحسين محمّدُ بن أحمد بن مخزوم المُقرئُ مولى بني هاشم، قال: حدّثنا أحمدُ بن القاسم البري، قال: حدّثنا يحيى بنُ عبدالرّحمنِ، عن عليّ بنِ صالحِ بن حيّ الكوفيّ‏۵ ، عن زيادِ بن المنذرِ ، عن قيس بن سعد ، قال :
كنتُ اُسايرُ أميرَ المؤمنينَ - صلوات اللَّه عليه - كَثيراً إذا سارَ إلى وَجهٍ من

1.زَخَرَ البحرُ : أي مُدَّ وكثر ماؤه ، وارتفعَت أمواجُه. النهاية : ج ۲ ص ۲۹۹ (زخر) .

2.التوحيد : ص ۳۸۳ ح ۳۲ ، مختصر بصائر الدرجات : ص ۱۵۳ بإسناده المتّصل إلى الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه ، عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ؛ بحار الأنوار : ج ۵ ص ۹۷ ح ۲۳ .

3.كذا ، والصواب : محمّد بن جرير بن رستم .

4.لم نعثر عليه في دلائل الإمامة ، وقد استدركه محقّق الكتاب نقلاً عن فرج المهموم . اُنظر: دلائل الإمامة المطبوع ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسّسة البعثة : ص ۵۷ ح ۴ .

5.في المصدر : عليّ بن حيّ بن صالح ، وما أثبتناه من بحار الأنوار . وهو علي بن صالح بن صالح بن حيّ الهمداني الكوفي . اُنظر : تهذيب التهذيب : ج ۴ ص ۲۰۱ الرقم ۵۵۵۶ .

  • نام منبع :
    تفسیر ابی الجارود و مسنده
    سایر پدیدآورندگان :
    علي شاه‌ علي‌زاده
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 13785
صفحه از 416
پرینت  ارسال به