المرجعية القرآنية للمعصومين عليهم السلام في فتح ما استغلق من القضايا التفسيرية.
ومن البديهي أنّ هذه المهمّة لا يتيسّر نوالها إلّا عن طريق الاطّلاع على التراث التفسيري لعهد الإمام الباقر عليه السلام وجهود أصحابه البارزين في مجال البحوث القرآنية؛ وذلك لأنّ ما اُنجِزَ من أعمال في البحوث القرآنية في تلك الحقبة التاريخية يمثّل مرآة تنعكس فيها جميع الأحداث، والوقائع، والتيّارات، والخطابات، والمعتقدات، والتطلّعات، والرؤى، ومابقي طيّ الخفاء من القضايا القرآنية، وتكشف عن كيفية مواجهة الإمام عليه السلام لها، كما أنّها ذات فائدة في تبيين النظرية التفسيرية لأهل البيت عليهم السلام .
ومن أشهر الأعمال في التراث القرآني في تلك الحقبة - وهو عمل يتّسع لمثل هذه التحليلات والمعطيات - هو تفسير زياد بن المنذر المعروف بتفسير أبي الجارود، والذي يتناول في معظمه الروايات التفسيرية للإمام الباقر عليه السلام ، ولكن أصبح من المتعذّر اليوم الحصول على النصّ الكامل لهذا الكتاب، مثلما هو الحال بالنسبة إلى غيره من التراث العلمي لهذه الحقبة؛ وذلك بسبب الممارسات السياسية والثقافية البغيضة التي كان ينتهجها الخصوم والمعاندون ضدّ التراث الشيعي، وهو ما أدّى بالنتيجة إلى ضياع أو إتلاف قسمٍ كثير منه.
ومع ذلك فإنّ بصمات الحضور العلمي لهذا الكتاب مشهودة في تفاسير الفريقين، وفي الجوامع الحديثية للإمامية، وتتّفق فهارس المؤلفات وكتب التراجم والرجال على وجود مثل هذا الكتاب لأبي الجارود.
على صعيد آخر، كانت التحوّلات والتيّارات الدينية والسياسية في زمان أبي الجارود قد أوجدت معالم وسمات خاصّة في شخصيّته، يمكن أن نشير إلى بعضها ضمن الموارد التالية:
أ - إدراكه لبعض الصحابة والتابعين؛ ورغم أنّ مدّة معاصرته للصحابة كانت قصيرة، ولكن كانت له علاقات مع تابعين متعدّدين؛ وأخذ عن عدد من مشايخ الحديث، وهذا ما جعله على معرفة حديثية بالسيرة والسنّة النبوية.
ب - معاصرته تاريخياً لإمامة كلٍّ من الإمام السجّاد والباقر والصادق عليهم السلام وفّرت