المقدّمة
الحمد للَّه ربّ العالمين وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.
تمثّل الدراسة الحاضرة جهداً في إطار إحياء أحد أقدم تفاسير القرآن الكريم، والذي أملاه الإمام الباقر عليه السلام على أحد أصحابه ويُدعى زياد بن المنذر المعروف بأبي الجارود، والذي جُمع بواسطته وعُرف بتفسير أبي الجارود. فُقد هذا التفسير بفعل عوادي الزمن، والسبيل الوحيد لإعادته هو بجمع الروايات المتفرّقة التي وجدت طريقها إلى كتب الحديث والتفسير للعلماء الذين تلوه، فكانت كثرة هذه الروايات دافعاً إلى إعادة صياغة هذا التفسير.
يعتبر تفسير أبي الجارود تفسيراً روائياً، وعليه ينبغي في البدء أن نورد بعض الإيضاحات حول بعض المفاهيم المرتبطة به.
۱. معنى التفسير
يقول علماء اللغة: إنّ مادّة «فسر» تدلّ على البيان والإيضاح، وتحمل الكلمتان «الفسر» و«التفسير» هذا المعنى نفسه أيضاً۱. ويقول الزبيدي: «الفسر»: الإبانة، وكشف المُغَطّى۲.
وقد جاء هذا المعنى في ثلاثيه المجرّد (باب ضرب ونصر)، وكذلك في الثلاثي المزيد (باب التفعيل)، إلّا أنّه في باب التفعيل يُحمل المزيد على المبالغة والتأكيد.
وقد قدّم المفسّرون والعلماء الأخصّائيون بعلوم القرآن، تعاريف مختلفة لتفسير القرآن، ومع كلّ ذلك فإنّ معظمهم يتّفقون في الرأي على أنّ المراد من تفسير القرآن الكشف عن المعنى المقصود۳. وبناء على ذلك يمكن القول في تعريف التفسير: إنّه الكشف عن المراد الجدّي للَّه سبحانه من آيات القرآن الكريم.
ويجب الالتفات إلى أنّ ما يحظى بالاهتمام في تفسير القرآن، هو الحصول على المعاني والمقاصد الجدّية من «ظاهر» آيات القرآن الكريم، لا المعاني المؤوّلة والباطنية۴؛ لأنّ هذا النوع من المعاني داخل في علم تأويل القرآن وفي نطاق علم «الراسخين في العلم» وخارج عن إطار القواعد الأدبية واُصول الفهم العرفي.
1.اُنظر: معجم مقاييس اللغة: ج ۴ ص ۵۰۴؛ الصحاح: ج ۲ ص ۷۸۱.
2.تاج العروس: ج ۷ ص ۳۵۰.
3.الطبرسي: «التفسير: كشف المراد عن اللفظ المشكل... وقيل: التفسير كشف المغطّى» مجمع البيان: ج ۱ ص ۳۹. الزركشي: علم يُعرف به فهم كتاب اللَّه المنزل على نبيّه محمّد وبيان معانيها واستخراج حكمه». البرهان في علوم القرآن: ج ۱ ص ۱۳). العلّامة الطباطبائي: «التفسير: هو بيان معاني الآيات القرآنية والكشف عن مقاصدها ومداليلها» الميزان في تفسير القرآن: ج ۱ ص ۴.
4.رغم أنّه من الممكن أن نعتبر المعاني الباطنية في محلّها القصد الجدّي للَّه من آيات القرآن المجيد.