لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا ، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها ، وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هـذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ!
الشّرْحُ :
فَلَق الحبة ، من قوله تعالى : « فَالِقُ الحبِّ والنَّوَى » ۱ ، والنَّسَمة : كلّ ذي رُوح من البشر خاصة . قوله : « لولا حضور الحاضر » ، يمكن أن يريدَ به لولا حضور البيعة ـ فإنها بعد عقدها تتعين المحاماة عنها ـ ويمكن أن يريد بالحاضر مَنْ حَضَره من الجيش الذين يستعين بهم على الحرب . والكِظّة بكسر الكاف : ما يعترى الإنسان مِن الثِّقل والكَرْب عند الامتلاء من الطعام . والسّغَب : الجوع . وقولهم : قد ألقى فلان حبل فلان على غَارِبه ، أي تركه هَمَلاً يسرح حيث يشاء من غير وازع ولا مانع ؛ والفقهاء يذكرون هذه اللفظة في كنايات الطلاق . وعَفْطَة عنز : ما تنثره من أنفها ، عفطت تعفِط بالكسر ؛ وأكثر ما يستعمل ذلك في النعجة ، واستعمله في العنز مجازاً .
يقول عليه السلام : لولا وجود مَنْ ينصرني ـ لا كما كانت الحال عليها أوّلاً بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإني لم أكن حينئذٍ واجداً للناصر مع كوني مكلّفاً ألاّ أمكِّن الظالم من ظلمه ـ لتركت الخلافة ، ولرفضتها الآن كما رفضتها قبل ، ولوجدتم هذه الدنيا عندي أهون من عَطْسة عنز .
الأصْلُ :
۰.قالوا : وقام إليه رجل من أَهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته ، فناوله كتابا ، فأَقبل ينظر فيه ؛ قال له ابن عباس : يا أمير المؤمنين ، لو اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ من حيث أَفضيتَ !
فَقَالَ : هَيْهَاتَ يابْنَ عَبَّاسٍ ! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ!
قال ابن عباس : فواللّه ما أَسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام أَلاَّ يكون أَمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أَراد .
قال الرضي : قوله عليه السلام في هذِهِ الخُطْبَةِ «كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحم»