95
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

« عطافي » ، والعطاف الرداء وهو أشبه بالحال ، إلاّ أن الرواية الأُولى أشهر ؛ والمعنى خدش جانباي لشِدّة الاصطكاك منهم والزحام . وقوله : « كربيضة الغنم » أي كالقِطْعة الرابضة من الغنم ، يصف شِدّة ازدحامهم حوله ، وجثومَهم بين يديه .
فأمّا الطائفة النّاكثة ؛ فهم أصحابُ الجمل . وأما الطائفة القاسطة ؛ فأصحاب صِفّين . وسماهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله القاسِطين . وأمّا الطائفة المارقة ؛ فأصحاب النّهْرَوان ، وأشرنا نحن بقولنا : سماهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله القاسطين إلى قوله عليه السلام : « ستقاتلُ بعدي : الناكثين ، والقاسطين والمارقين » ، وهذا الخبر من دلائل نبوته صلوات اللّه عليه ؛ لإنه إخبار صريح بالغيب ، لا يحتمل التمويهَ والتدليس ، كما تحتمله الأخبار المجمَلة ، وصدَّق قوله عليه السلام : « والمارقين » ، قوله أولاً في الخوارج : « يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية » ، وصدّق قوله عليه السلام الناكثين » ، كونهم نكثوا البيعة بادئ بدء . وقد كان عليه السلام يتلُو وقت مبايعتهم له : « فَمَنْ نَكَثَ فَإنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ » ۱ .
وأما أصحاب صفين ، فإنهم عند أصحابنا رحمهم اللّه مخلّدون في النار لفِسْقهم ، فصحّ فيهم قوله تعالى : « وَأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبا » ۲ .
وقوله عليه السلام : « حليت الدنيا في أعينهم » تقول : حلا الشيء في فمي يحلُو ، وحليَ لعيني يَحْلَى . والزبرج : الزينةُ من وَشْيٍ أو غيره ، ويقال : الزبرج : الذهب .
فأمّا الآيُة فنحن نذكر بعض ما فيها ، فنقول : إنه تعالى لم يعلّق الوعدَ بترك العلوّ في الأرض والفساد ، ولكن بترك إرادتهما ، وهو كقوله تعالى : « وَلاَ تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ » ۳ علّق الوعيد بالركون إليهم والميل معهم ، وهذا شديد في الوعيد .

الأصْلُ :

۰.أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ ، وَمَا أَخَذَ اللّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ ، وَلاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ ،

1.سورة الفتح ۱۰ .

2.سورة الجن ۱۵ .

3.سورة هود ۱۱۳ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
94

على قَدَم عظيمة من النَّهَم وشدّة الأكل وامتلاء الأفواه . قال أبو ذر رحمه اللّه تعالى عن بني أُميّة : يخضمون ونقضم ، والموعد اللّه . والماضي « خَضِمْت » بالكسر ، ومثل قَضِمْت . والنِّبتة ، بكسر النون كالنبات ، تقول : نَبتَ الرطب نباتا ونِبْتة . وانتكث فتلُه : انتقض ؛ وهذه استعارة . وأجهز عليه عمله : تمم قتله . يقال : أجهزتُ على الجريح ، مثل ذَفَفْتُ إذا أتممتَ قَتله . وكَبَتْ به بِطنته : كبا الجواد إذا سقط لوجه . والبِطنة : الإسراف في الشِّبَع .
وثالث القوم هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أُميّة ، بايعه الناس بعد انقضاء الشورى ، وصحّت فيه فراسة عمر ، فإنّه أوطأ بني أُميّة رقاب الناس ، وولاّهم الولايات ، وأقطعهم القطائع ، وانضم إلى هذه أُمور أُخرى نقمها عليه المسلمون .

الأصْلُ :

۰.فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إلَيَّ ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ ، وَشُقَّ عِطْفَايَ ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ . فَلَمَّا نَهَضْتُ بالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ ، وَمَرَقَتْ أُخْرَى ، وَقَسَطَ آخَرُونَ ؛ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلاَمَ اللّهَ سُبْحَانَهُ حَيْثُ يَقُولُ : «تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَيُريدُونَ عُلُوّا في الْأَرْضِ وَلاَ فَسَادا ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» ۱ بَلَى ! وَاللّه لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا ، وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا في أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا ۲ !

الشّرْحُ :

عُرْف الضَّبع : [شَعْر] ثخين ، ويضرب به المثل في الازدحام . وينثالون : يتتابعون مزدحمين . والحَسَنان : الحسن والحسين عليهماالسلام . والعِطْفان : الجانبان من المنكب إلى الوِرك ؛ ويروى

1.سورة القصص ۸۳ .

2.عرف الضبع : ما كثر على عنقها من الشَعر ، وهو ثخين . شُق : جُرح أو خدش . ربضت الدابة : بركت نكث العهد : نقضه ولم يفِ به . مرق من الدين : خرج منه ببدعة فهو مارق . قسط : جار وعدل عن الحق ، والقاسطون بمعنى الفاسقين . راقهم : من راق الشراب إذا صفا . الزبرج : الزينة .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8750
صفحه از 712
پرینت  ارسال به