693
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

القريتين عظيم ، أي إمّا على الوليد بن المغيرة من مكّة ، أو على عروة بن مسعود الثقفيّ من الطائف . ثم قال تعالى : « أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّك » ۱ ، أي هو سبحانه العالم بالمصلحة في إرسال الرسل ، وتقديم من يرى في الاصطفاء على غيره .
فرتق به المفاتق ، أي أصلح به المفاسد ، والرّتْق ضدّ الفتق ، والمفاتق : جمع مَفْتَق ، وهو مصدر ؛ كالمضرب والمقتل . وساور به المغالب : ساورتُ زيداً ، أي واثبته ، ورجل سَوّار ، أي وثّاب ، وسَوْرة الخمر : وثوبها في الرأس . والحزونة ضدّ السهولة ، والحزَنْ : ما غُلظ من الأرض . والسّهل : ما لان منها ، واستعير لغير الأرض كالأخلاق ونحوها .
قوله : « حتى سرّح الضلال ، عن يمين وشمال » ، أي طرده وأسرع به ذهاباً ، من قولهم : ناقة سَرْح ومنسرحة ، أي سريعة . ومنه تسريح المرأة ، أي تطليقها .

۲۰۷

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاموَأَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ عَدَلَ ، وَحَكَمٌ فَصَلَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَسَيِّدُ عِبَادِهِ ، كُلَّمَا نَسَخَ اللّهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا ، لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ ، وَلاَ ضَرَبَ فِيهِ فَاجِرٌ . أَلاَ وإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ لِلْخَيْرِ أَهْلاً ، وَلِلْحَقِّ دَعَائِمَ ، وَلِلطَّاعَةِ عِصَماً ، وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدَ كُلِّ طَاعَةٍ عَوْناً مِنَ اللّهِ سُبْحَانَهُ ، يَقُولُ عَلَى الألسِنَةِ ، وَيُثبِّتُ بِهِ الأَفْئِدَةَ . فِيهِ كِفَاءٌ لِمُكْتَفٍ ، وَشِفَاءٌ لِمُشْتَفٍ .
وَاعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اللّهِ الْمُسْتَحْفَظِينَ عِلْمَهُ ، يَصُونُونَ مَصُونَهُ ، وَيُفَجِّرُونَ عُيُونَهُ . يَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلاَيَةِ ، وَيَتَـلاَقَوْنَ بِالمحَبَّةِ ، وَيَتَسَاقَوْنَ بِكَأْس رَوِيَّةٍ ، وَيَصْدُرُونَ بِرِيَّةٍ ،

1.سورة الزخرف ۳۲ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
692

قوله : « الغالب لمقال الواصفين » ، أي إنّ كُنْه جلاله وعظمته ، لا يستطيع الواصفون وصفه وإنْ أطنبوا وأسهبوا ، فهو كالغالب لأقوالهم لعجزها عن إيضاحه وبلوغ منتهاه ، والظاهر بأفعاله ، والباطن بذاته ؛ لأ نّه إنّما يعلم منه أفعاله ، وأما ذاته فغير معلومة .
ثم وصف علمه تعالى فقال : إنّه غيرُ مكتَسب كما يكتسِب الواحد منّا علومَه بالاستدلال والنّظر ، ولا هو علمٌ يزداد إلى علومه الأُولى كما تزيد علوم الواحد منّا ومعارفه ، وتكثر لكثرة الطُّرُق التي يتطرّق بها إليها . ثم قال : « وَلا علم مُستفاد » ، أي ليس يعلم الأشياء بعلم محدث مجدّد . ثم ذكر أنه تعالى قدّر الأُمور كلّها بغير رويّة ، أي بغير فكر ولا ضمير ، وهو ما يطويه الإنسان من الرأي والاعتقاد والعزم في قلبه .
ثم وصفه تعالى بأنه لا يغشاه ظلامٌ ؛ لأ نّه ليس بجسم ، ولا يستضيء بالأنوار ؛ كالأجسام ذوات البصر . ولا يَرْهقه ليل ، أي لا يغشاه . ولا يجري عليه نهار ؛ لأ نّه ليس بزمانيّ . ولا قابل للحركة ، ليس إدراكه بالإبصار ؛ لأنّ ذلك يستدعي المقابلة . ولا علمه بالإخبار مصدر أخبر ، أي ليس علمه مقصورا على أن تخبره الملائكة بأحوال المكلّفين ، بل هو يعلم كلّ شيء ؛ لأنّ ذاته ذات واجبٌ لها أن تعلم كلّ شيء لمجرّد ذاتها المخصوصة ، من غير زيادة أمر على ذاتها .

الأصْلُ :

۰.منها في ذكر النبي صلى الله عليه و آله وسلم :أَرْسَلَهُ بِالضِّيَاءِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الاِصْطِفَاءِ ، فَرَتَقَ بِهِ الْمَفَاتِقَ ، وَسَاوَرَ بِهِ الْمُغَالِبَ ، وَذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَةَ ، وَسَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَةَ ، حَتَّى سَرَّحَ الضَّلاَلَ ، عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ .

الشّرْحُ :

أرسله بالضياء ، أي بالحقّ ، وسمّى الحقّ ضياء ؛ لأ نّه يُهتدَى به ، أو أرسله بالضياء ، أي بالقرآن . وقدّمه في الاصطفاء ، أي قدّمه في الاصطفاء على غيره من العرب والعجم ، قالت قريش : « لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَينِ » ۱ ، أي على رجل من رجلين من

1.سورة الزخرف ۳۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8323
صفحه از 712
پرینت  ارسال به