قوله : « الغالب لمقال الواصفين » ، أي إنّ كُنْه جلاله وعظمته ، لا يستطيع الواصفون وصفه وإنْ أطنبوا وأسهبوا ، فهو كالغالب لأقوالهم لعجزها عن إيضاحه وبلوغ منتهاه ، والظاهر بأفعاله ، والباطن بذاته ؛ لأ نّه إنّما يعلم منه أفعاله ، وأما ذاته فغير معلومة .
ثم وصف علمه تعالى فقال : إنّه غيرُ مكتَسب كما يكتسِب الواحد منّا علومَه بالاستدلال والنّظر ، ولا هو علمٌ يزداد إلى علومه الأُولى كما تزيد علوم الواحد منّا ومعارفه ، وتكثر لكثرة الطُّرُق التي يتطرّق بها إليها . ثم قال : « وَلا علم مُستفاد » ، أي ليس يعلم الأشياء بعلم محدث مجدّد . ثم ذكر أنه تعالى قدّر الأُمور كلّها بغير رويّة ، أي بغير فكر ولا ضمير ، وهو ما يطويه الإنسان من الرأي والاعتقاد والعزم في قلبه .
ثم وصفه تعالى بأنه لا يغشاه ظلامٌ ؛ لأ نّه ليس بجسم ، ولا يستضيء بالأنوار ؛ كالأجسام ذوات البصر . ولا يَرْهقه ليل ، أي لا يغشاه . ولا يجري عليه نهار ؛ لأ نّه ليس بزمانيّ . ولا قابل للحركة ، ليس إدراكه بالإبصار ؛ لأنّ ذلك يستدعي المقابلة . ولا علمه بالإخبار مصدر أخبر ، أي ليس علمه مقصورا على أن تخبره الملائكة بأحوال المكلّفين ، بل هو يعلم كلّ شيء ؛ لأنّ ذاته ذات واجبٌ لها أن تعلم كلّ شيء لمجرّد ذاتها المخصوصة ، من غير زيادة أمر على ذاتها .
الأصْلُ :
۰.منها في ذكر النبي صلى الله عليه و آله وسلم :أَرْسَلَهُ بِالضِّيَاءِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الاِصْطِفَاءِ ، فَرَتَقَ بِهِ الْمَفَاتِقَ ، وَسَاوَرَ بِهِ الْمُغَالِبَ ، وَذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَةَ ، وَسَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَةَ ، حَتَّى سَرَّحَ الضَّلاَلَ ، عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ .
الشّرْحُ :
أرسله بالضياء ، أي بالحقّ ، وسمّى الحقّ ضياء ؛ لأ نّه يُهتدَى به ، أو أرسله بالضياء ، أي بالقرآن . وقدّمه في الاصطفاء ، أي قدّمه في الاصطفاء على غيره من العرب والعجم ، قالت قريش : « لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَينِ » ۱ ، أي على رجل من رجلين من