بِحِمْلِهَا ، أَوْ تَزُولَ عَنْ مَواضِعِهَا .
فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ مِيَاهِهَا ، وَأَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَةِ أَكْنَافِهَا ، فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً ، وَبَسَطَهَا لَهُمْ فِرَاشاً فَوْقَ بَحْرٍ لُجِّيٍّ رَاكِدٍ لاَ يَجْرِي ، وَقَائِمٍ لاَ يَسْرِي ، تُكَرْكِرُهُ الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ ، وَتَمْخُضُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ .
إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى!
الشّرْحُ :
أراد أن يقول : « وكان من اقتداره » فقال : « وكان من اقتدار جبروته » ، تعظيماً وتفخيماً ، كما يقال للملك : أمرت الحضرةُ الشريفة بكذا . والبحر الزاخر : الّذي قد امتد جدّا وارتفع . والمتراكم : المجتمع بعضُه على بعض . والمتقاصف : الشديد الصوت ، قصفَ الرّعد وغيره قصيفاً . واليبَس ، بالتحريك : المكان يكون رطباً ثم ييبس ، ومنه قوله تعالى : « فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقا فِي الْبَحْرِ يَبَسا » ۱ ، واليبْس بالسكون : اليابس خِلْقة ، حطب يبْس ، هكذا يقوله أهل اللغة وفيه كلام ؛ لأنّ الحطب ليس يابسا خلْقة بل كان رطباً من قبل ، فالأصوب أن يقال : لا تكون هذه اللفظة محرّكة إلاّ في المكان خاصّة . وفطر : خلق ، والمضارع يفطُر بالضمّ ، فَطْرا . والأطباق : جمع طبق ، وهو أجزاء مجتمعة من جراد أو غيم أو ناس أو غير ذلك من حيوان أو جماد ، يقول : خلق منه أجساما مجتمعة مرتتقة ، ثم فتقها سبع سماوات . وروي : « ثم فطر منه طِبَاقاً » أي أجساما منفصلة في الحقيقة متّصلة في الصورة ببعضها فوق بعض ، وهي من ألفاظ القرآن ۲ المجيد . والضمير في « منه » يرجع إلى ماء البحر في أظهر النّظر ، وقد يمكن أن يرجع إلى اليبس.
وكلامُ أمير المؤمنين عليه السلام كلّه مطابق لما في الكتاب العزيز ، والسنّة النبوية ، والنظر الحكميّ ، ألا ترى إلى قوله تعالى : « أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ والأَرْض كانَتَا رَتقا فَفَتَقْنَاهُمَا » ۳ ، وهذا هو صريح قوله عليه السلام : « ففتقها سبع سماوات بعد ارتتاقها » ، وإلى قوله