الشّرْحُ :
الكلام في تفسير الألفاظ الأُصوليّة ؛ وهي العامّ والخاصّ ، والناسخ والمنسوخ ، والصدق والكذب ، والمحكَم والمتشابه ، موكول إلى فنّ أُصول الفقه ، وقد ذكرناه فيما أمليناه من الكتب الأُصولية ، والإطالة بشرح ذلك في هذا الموضع مستهجَن .
قوله عليه السلام : « وحفظاً ووهَماً » الهاء مفتوحة ، وهي مصدر وَهِمتُ ، بالكسر ، أوْهَم ، أي غلطت وسهوت ، وقد روي : « وَهْما » بالتسكين ، وهو مصدر وهَمت بالفتح أوْهُم ، إذا ذهب وهْمُك إلى شيء وأنت تريد غيره ، والمعنى متقارب . وقول النبي صلى الله عليه و آله وسلم « فليتبوّأ مقعده من النار » كلامٌ صيغته الأمر ، ومعناه الخبر ، كقوله تعالى : « قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدّا » ۱ ، وتبوّأت المنزلَ : نزلته ، وبوّأتُه منزلاً : أنزلته فيه . والتأثّم : الكفّ عن موجب الإثم ، والتحرّج مثله ، وأصله الضِّيق ، كأنه يضيق على نفسه . ولَقِفَ عنه : تناول عنه . وجنّب عنه : أخذ عنه جانباً . و « إنْ » في قوله : « حتى إنْ كانوا لَيحبّون » مخففة من الثقيلة ، ولذلك جاءت اللام في الخبر . والطارئ ، بالهمز : الطالع عليهم ، طَرَأ ، أي طلع ، وقد روي « عللهم » ، بالرفع عطفاً على « وجوه » ، وروي بالجرّ عطفاً على « اختلافِهم » .
فإن قلت : مَنْ هم أئمة الضلالة ، الّذين يتقرّب إليهم المنافقون الذين رأوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وصحبوه للزور والبهتان ؟ وهل هذا إلاّ تصريح بما تذكره الإمامية ، وتعتقده؟
قلت : ليس الأمر كما ظننت وظنّوا ، وإنّما يعني معاوية وعمرو بن العاص ومَنْ شايعهما على الضّلال ، كالخبر الذي رواه مَنْ رَوَاه في حقّ معاوية : « اللهمّ قِهِ العذاب والحساب ، وعلّمه الكتاب » ؛ وكرواية عمرو بن العاص تقرُّبا إلى قلب معاوية : « إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء ، إنّما وليَّ اللّه وصالح المؤمنين » ، وكرواية قوم في أيّام معاوية أخباراً كثيرة من فضائل عثمان ، تقرُّبا إلى معاوية بها ، ولسنا نجحَدُ فضلَ عُثْمان وسابقته ، ولكنّا نعلم أنّ بعض الأخبار الواردة فيه موضوع ، كخبر عمرو بن مرّة فيه وهو مشهور ، وعمرو بن مرّة ممّن له صحبة ، وهو شاميّ .
فأمّا قوله عليه السلام : « ورجل سمع من رسول اللّه شيئا ولم يحفظه على وجهه فوهم فيه » ، قد وقع ذلك . وقال أصحابنا في الخبر الّذي رواه عبد اللّه بن عمر أنّ الميّت ليُعذّب ببكاء أهله