673
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

وَاعْلَمُوا أَنَّ مَلاَحِظَ الْمَنِيَّةِ نَحْوَكُمْ دائِبَة ، وَكَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا وَقَدْ نَشِبَتْ فِيكُمْ ، وَقَدْ دَهَمَتْكُمْ فِيهَا مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ ، وَمُضْلِعَاتُ المحْذُورِ . فَقَطِّعُوا عَلاَئِقَ الدُّنْيَا وَاسْتَظْهِرُوا بِزَادِ التَّقْوَى .
وقد مضى شيء من هذا الكلام فيما تقدم ، بخلاف هذه الرواية .

الشّرْحُ :

تجهّزوا لكذا ، أي تَهيّئوا له . والعرْجة : التعريج ، وهو الإقامة ، تقول : ما لي على ربعك عَرْجة ، أي إقامة ، وعرَّج فلان على المنزل ، إذا حبَس عليه مطيَّته . والعقبة الكؤود : الشاقّة المصعد . ودائبة : جادّة . والمخلب للسَّبُع بمنزلة الظّفر للإنسان . وأفظع الأمرُ ، فهو مفظع ، إذا جاوز المقدار شدّة . ومضلعات المحذور : الخطوب التي تُضلِع ، أي تجعل الإنسان ضليعا ، أي معوجّا ، والماضي ضَلِع بالكسر يَضلَع ضَلَعا . ومن رواها بالظاء ، أراد الخطوب التي تجعل الإنسان ظالعا ، أي يغمز في مَشْيِه لثقلها عليه ، والماضي ظَلَع بالفتح ، يظلَع ظَلَعا ، فهو ظالع .

۱۹۸

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام كلّم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة
وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما والاستعانة في الأُمور بهما :
لَقَدْ نَقَمْتُمَـا يَسِيراً ، وَأَرْجَأْتُمَا كَثِيراً . أَلاَ تُخْبِرَانِي ، أَيُّ شَيْءٍ كَانَ لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ ؟ أَمْ أَيُّ قَسْمٍ اسْتَأثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ ! أَمْ أَيُّ حَقٍّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ ، أَمْ جَهِلْتُهُ ، أَمْ أَخْطَأتُ بَابَهُ!
وَاللّهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلاَفَةِ رَغْبَةٌ ، وَلاَ فِي الْوِلاَيَةِ إِرْبَةٌ ، وَلكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
672

تُخْرَجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ ، فَفِيهَا اخْتُبِرْتُمْ ، ولِغِيْرِهَا خُلِقْتُمْ .
إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ : مَا تَرَكَ ؟ وَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ : مَا قَدَّمَ ؟ للّهِ آبَاؤُكُمْ ! فَقَدِّمُوا بَعْضَاً يَكُنْ لَكُمْ ، وَلاَ تُخْلِفُوا كُـلاًّ فَيَكُونَ فَرْضاً عَلَيْكُمْ .

الشّرْحُ :

قوله عليه السلام : « دار مجاز » ، أي يُجَاز فيها إلى الآخرة ، ومنه سمِّيَ المجاز في الكلام مجازا ؛ لأنّ المتكلّم قد عَبَر الحقيقة إلى غيرها ، كما يَعبُر الإنسان من موضع إلى موضع . ودار القرار : دار الاستقرار الذي لا آخر له . فخذوا من ممرّكم ، أي من الدنيا ، لمقرّكم ؛ وهو الآخرة .
قوله عليه السلام : « قال الناس : ما ترك ؟ » ، يريد أنّ بني آدم مشغولون بالعاجلة ، لا يفكّرون في غيرها ، ولا يتساءلون إلاّ عنها ، فإذا هلك أحدكم ، فإنّما قولهم بعضهم لبعض : ما الذي ترك فلان من المال ؟ ما الذي خلف من الولد ؟ وأما الملائكة فإنّهم يعرفون الآخرة ، ولا تستهويهم شهواتُ الدّنيا ، وإنّما هم مشغولون بالذِّكْر والتسبيح ، فإذا هلك الإنسان ، قالوا : ما قدّم ؟ أي أيّ شيء قدّم من الأعمال؟
ثم أمرهم عليه السلام ، بأنْ يقدّموا من أموالهم بعضها صدقة ، فإنّها تبقى لهم ، ونهاهم أن يخلِّفوا أموالَهم كلَّها بعد موتهم ، فتكون وبالاً عليهم في الآخرة .

۱۹۷

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام كان كثيراً ما ينادي به أصحابهتَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ ! فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ ، وَأَقِلُّوا الْعَرْجَةَ عَلَى الدُّنْيَا ، وَانْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ ، فإِنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَؤُوداً ، وَمَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً ، لاَ بُدَّ مِنَ الْوُرُودِ عَلَيْهَا ، وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8275
صفحه از 712
پرینت  ارسال به