659
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

مِنْ أَهْلِهَا ، وَانْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا ، وَانْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا ، وَعَفَاءٍ مِنْ أَعْلاَمِهَا ، وَتَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا ، وَقِصَرٍ مِنْ طُولِهَا .
جَعَلَهُ اللّهُ بَلاَغاً لِرِسَالَتِهِ ، وَكَرَامَةً لِأُمَّتِهِ ، وَرَبِيعاً لِأَهْلِ زَمَانِهِ ، وَرِفْعَةً لِأعْوَانِهِ ، وَشَرَفاً لِأنْصَارِهِ .
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ ، وَسِرَاجاً لاَ يَخْبُو تَوَقُّدُهُ ، وَبَحْراً لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ ، وَمِنْهَاجاً لاَ يُضِلُّ نَهْجُهُ ، وَشُعَاعاً لاَ يُظْلِمُ ضَوْؤهُ ، وَفُرْقَاناً لاَ يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ ، وَتِبْيَاناً لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ ، وَشِفَاءً لاَ تُخْشَى أَسْقَامُهُ ، وَعِزّاً لاَ تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ ، وَحَقّاً لاَ تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ . فَهُوَ مَعْدِنُ الاْءِيمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ ، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَبُحُورُهُ ، وَرِيَاضُ الْعَدْلِ وَغُدْرَانُهُ ، وَأَثَافِيُّ الاْءِسْلاَمِ وَبُنْيَانُهُ ، وَأَوْدِيَةُ الْحَقِّ وَغِيطَانُهُ . وَبَحْرٌ لاَ يَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ ، وَعُيُونٌ لاَ يُنْضِبُهَا الْمَاتِحُونَ ، وَمَنَاهِلُ لاَ يَغِيضُهَا الْوَارِدُونَ ، وَمَنَازِلُ لاَ يَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ ، وَأَعْلاَمٌ لاَ يَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ ، وَآكَامٌ لاَ يَجُوزُ عَنْهَا الْقَاصِدُونَ .

الشّرْحُ :

قوله عليه السلام : « حين دنا من الدنيا الانقطاع » ، أي أزِفَتِ الآخرة وقَرُب وقتها . وقد اختلف الناس في ذلك اختلافاً شديداً . واختلفوا في مقدار الذاهب والباقي منها . ولا نعلم كميّة الماضي ولا كميّة الباقي ، ولكنّا نقول كما أُمِرْنا ، ونسمع ونطيع كما أُدّبنا ، ومن الممكن أن يكون ما بقي قريباً عند اللّه ، وغير قريب عندنا ، كما قال سبحانه : « إنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدا وَنَرَاهُ قَرِيبا » ۱ .
قوله عليه السلام : « وقامت بأهلها على ساقٍ » ، الضمير للدنيا ، والساق الشدّة ، أي انكشفت عن شدّة عظيمة . وقوله تعالى : « والتَفَّتِ السّاقُ بالسّاقِ » ۲ ، أي التفّت آخر شدّة الدنيا بأول شدّة الآخرة .

1.سورة المعارج ۶ .

2.سورة القيامة ۲۹ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
658

قال تعالى : « مَنْ يُحَادِد اللّه » ۱ ، أي من يعادِ اللّه كأنه يكون في حدّ وجهَة ، وذلك الإنسان في حدّ آخر وجهة أُخرى ، وكذلك المشاقّ ؛ يكون في شقّ والآخر في شق آخر . وأتأق الحياض : ملأها ، وَتَئِقَ السّقاء نفسه يتأق تَأَقاً ، وكذلك الرجل ، إذا امتلأ غضبا . قوله : « بمواتحه » ، وهي الدّلاء يُمتَح بها ، أي يُسقى بها . والانفصام : الانكسار . والعفاء : الدُّروس . والجَذّ : القطع ، ويروى بالدال المهملة ؛ وهو القطع أيضا . والضّنك : الضيق . والوعوثة : كثرة في السهولة توجب صعوبة المشي ؛ لأنّ الأقدام تعِيث في الأرض . والوضَح : البياض . والعَوَج ، بفتح العين : فيما ينتصب كالنّخلة والرّمح ، والعِوَج بكسرها : فيما لا ينتصب ؛ كالأرض والرأي والدّين . والعَصَل : الالتواء والاعوجاج ، ناب أعْصَل وشجرة عصلة ، وسهام عُصْل . والفَجّ : الطريق الواسع بين الجبلين ، يقول : لا وَعث فيه ، أي ليس طريق الإسلام بوعث ، وقد ذكرنا أنّ الوعوثة ما هي .
قوله : « فهو دعائم أساخ في الحق أسناخها » ، الأسناخ : جمع سِنْخ ، وهو الأصل ، وأساخها في الأرض : أدخلها فيها ، وساخت قوائم فرسه في الأرض تسوخُ وتَسِيخ : دخلت وغابت . والآساس بالمدّ : جمع أسَس ، مثل سَبَب وأسباب ، والأسَس والأُسّ والأساس واحد ، وهو أصل البناء . وغَزُرت عيونها ، بضم الزاي : كثرت . وشبّت نيرانها بضم الشين : أُوقدت ، والمنار : الأعلام في الفلاة . قوله : « قصد بها فجاجها » ، أي قصد بنصب تلك الأعلام اهتداء المسافرين في تلك الفجاج ، فأضاف القصد إلى الفِجاج . وروى : « روّادها » جمع رائد ، وهو الذي يسبق القوم فيرتاد لهم الكلأ والماء . والذّرْوة : أعلى السنام ، والرأس وغيرهما .
قوله : « معوذِ المثار » ، أي يعجز الناس إثارته وإزعاجه لقوّته ومتانته .

الأصْلُ :

۰.ثُمَّ إِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وسلم بالْحَقِّ حِينَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الاِنْقِطَاعُ ، وَأَقْبَلَ مِنَ الآخِرَةِ الاِطِّـلاَعُ ، وَأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاقٍ ، وَقَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ ، وَخَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ ، وَأَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ ، فِي انْقِطَاعٍ مِنْ مُدَّتِهَا ، وَاقْتِرَابٍ مِنْ أَشْرَاطِهَا ، وَتَصَرُّمٍ

1.سورة التوبة ۶۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8544
صفحه از 712
پرینت  ارسال به