مِنْ أَهْلِهَا ، وَانْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا ، وَانْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا ، وَعَفَاءٍ مِنْ أَعْلاَمِهَا ، وَتَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا ، وَقِصَرٍ مِنْ طُولِهَا .
جَعَلَهُ اللّهُ بَلاَغاً لِرِسَالَتِهِ ، وَكَرَامَةً لِأُمَّتِهِ ، وَرَبِيعاً لِأَهْلِ زَمَانِهِ ، وَرِفْعَةً لِأعْوَانِهِ ، وَشَرَفاً لِأنْصَارِهِ .
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ ، وَسِرَاجاً لاَ يَخْبُو تَوَقُّدُهُ ، وَبَحْراً لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ ، وَمِنْهَاجاً لاَ يُضِلُّ نَهْجُهُ ، وَشُعَاعاً لاَ يُظْلِمُ ضَوْؤهُ ، وَفُرْقَاناً لاَ يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ ، وَتِبْيَاناً لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ ، وَشِفَاءً لاَ تُخْشَى أَسْقَامُهُ ، وَعِزّاً لاَ تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ ، وَحَقّاً لاَ تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ . فَهُوَ مَعْدِنُ الاْءِيمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ ، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَبُحُورُهُ ، وَرِيَاضُ الْعَدْلِ وَغُدْرَانُهُ ، وَأَثَافِيُّ الاْءِسْلاَمِ وَبُنْيَانُهُ ، وَأَوْدِيَةُ الْحَقِّ وَغِيطَانُهُ . وَبَحْرٌ لاَ يَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ ، وَعُيُونٌ لاَ يُنْضِبُهَا الْمَاتِحُونَ ، وَمَنَاهِلُ لاَ يَغِيضُهَا الْوَارِدُونَ ، وَمَنَازِلُ لاَ يَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ ، وَأَعْلاَمٌ لاَ يَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ ، وَآكَامٌ لاَ يَجُوزُ عَنْهَا الْقَاصِدُونَ .
الشّرْحُ :
قوله عليه السلام : « حين دنا من الدنيا الانقطاع » ، أي أزِفَتِ الآخرة وقَرُب وقتها . وقد اختلف الناس في ذلك اختلافاً شديداً . واختلفوا في مقدار الذاهب والباقي منها . ولا نعلم كميّة الماضي ولا كميّة الباقي ، ولكنّا نقول كما أُمِرْنا ، ونسمع ونطيع كما أُدّبنا ، ومن الممكن أن يكون ما بقي قريباً عند اللّه ، وغير قريب عندنا ، كما قال سبحانه : « إنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدا وَنَرَاهُ قَرِيبا » ۱ .
قوله عليه السلام : « وقامت بأهلها على ساقٍ » ، الضمير للدنيا ، والساق الشدّة ، أي انكشفت عن شدّة عظيمة . وقوله تعالى : « والتَفَّتِ السّاقُ بالسّاقِ » ۲ ، أي التفّت آخر شدّة الدنيا بأول شدّة الآخرة .