657
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الأصْلُ :

۰.ثُمَّ إِنَّ هذَا الاْءِسْلاَمَ دِينُ اللّهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَاصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ ، وَأَصْفَاهُ خِيَرَةَ خَلْقِهِ ، وَأَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ . أَذَلَّ الْأَدْيَانَ بِعِزَّتِهِ ، وَوَضَعَ الْمِلَلَ بِرَفْعِهِ ، وَأَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِكَرَامَتِهِ ، وَخَذَلَ مُحَادِّيهِ بِنَصْرِهِ ، وَهَدَمَ أَرْكَانَ الضَّلاَلَةِ بِرُكْنِهِ . وَسَقَى مَنْ عَطَشَ مِنْ حِيَاضِهِ ، وَأَتْأَقَ الْحِيَاضَ بِمَوَاتِحِهِ . ثُمَّ جَعَلَهُ لاَ انْفِصَامَ لِعُرْوَتِهِ ، وَلاَ فَكَّ لِحَلْقَتِهِ ، وَلاَ انْهِدَامَ لِأَسَاسِهِ ، وَلاَ زَوَالَ لِدَعَائِمِهِ ، وَلاَ انْقِلاَعَ لِشَجَرَتِهِ ، وَلاَانْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ ، وَلاَ عَفَاءَ لِشَرَائِعِهِ ، وَلاَ جَذَّ لِفُرُوعِهِ ، وَلاَ ضَنْكَ لِطُرُقِهِ ، وَلاَ وُعُوثَةَ لِسُهُولَتِهِ ، وَلاَ سَوَادَ لِوَضَحِهِ ، وَلاَ عِوَجَ لاِنْتِصَابِهِ ، وَلاَ عَصَلَ فِي عُودِهِ ، وَلاَ وَعَثَ لِفَجِّهِ ، وَلاَ انْطِفَاءَ لِمَصَابِيحِهِ ، وَلاَ مَرَارَةَ لِحَلاَوَتِهِ .
فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ فِي الْحَقِّ أَسْنَاخَهَا ، وَثَبَّتَ لَهَا أسَاسَهَا ، وَيَنَابِيعُ غَزُرَتْ عُيُونُهَا ، وَمَصَابِيحُ شَبَّتْ نِيرَانُهَا ، وَمَنَارٌ اقْتَدَى بِهَا سُفَّارُهَا ، وَأَعلاَمٌ قُصِدَ بِهَا فِجَاجُهَا ، وَمَنَاهِلُ رَوِيَ بِهَا وُرَّادُهَا . جَعَلَ اللّهُ فِيهِ مُنْتَهَى رِضْوَانِهِ ، وَذِرْوَةَ دَعَائِمِهِ ، وَسَنَامَ طَاعَتِهِ ؛ فَهُوَ عِنْدَ اللّهِ وَثِيقُ الْأَرْكَانِ ، رَفِيعُ الْبُنْيَانِ ، مُنِيرُ الْبُرْهَانِ ، مُضِيءُ النِّيرَانِ ، عَزِيزُ السُّلْطَانِ ، مُشْرِفُ الْمَنَارِ ، مُعْوِذُ الْمَثَارِ . فَشَرِّفُوهُ وَاتَّبِعُوهُ ، وَأَدُّوا إِلَيْهِ حَقَّهُ ، وَضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ .

الشّرْحُ :

اصطنعه على عينه ، كلمة تقال لما يشتدّ الاهتمام به ، تقول للصانع : اصنع لي كذا على عيني ، أي اصنعه صنعة كاملةً كالصنعة التي تصنعها وأنا حاضر أشاهدها بعيني ، قال تعالى : « وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي » ۱ . وأصفاه خيرَة خلقه ، أي آثر به خيرَة خلقه ، وهم المسلمون ، وياء : « خِيرَة » مفتوحة. قال : وأقام اللّه دعائم الإسلام على حبّ اللّه وطاعته . والمحادّ : المخالف ،

1.سورة طه ۳۹ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
656

فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا ، وَاحْلَوْلَتْ لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا ، وَانْفَرَجَتْ عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا ، وَأَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا ، وَهَطَلَتْ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا ، وَتَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا ، وَتَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا ، وَوَبَلَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا .
فَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي نَفَعَكُمْ بَمَوْعِظَتِهِ ، وَوَعَظَكُمْ بِرِسَالَتِهِ ، وَامْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِهِ . فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِهِ ، وَاخْرُجُوا إِلَيْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ .

الشّرْحُ :

الشِّعار : أقرب إلى الجَسَد من الدِّثار . والدّخيل : ما خالط باطنَ الجسد ، وهو أقرب من الشعار . ثم لم يقتصر على ذلك حتى أمر بأن يجعل التقوى لطيفاً بين الأضلاع ، أي في القلب ، وذلك أمسّ بالإنسان من الدخيل ، فقد يكون الدّخيل في الجسد وإن لم يخامر القلب . ثم قال : « وأميراً فوق أُموركم » ، أي يحكُم على أُموركم كما يحكم الأمير في رعيّته . والمنهل : الماء يرِده الوارد من الناس وغيرهم . وقوله : « لحين ورودكم » ، أي لوقت ورودكم . والطَّلِبة بكسر اللام : ما طلبته من شيء .
قوله : « ومصابيح لبطون قبوركم » ، جاء في الخبر : إنّ العمل الصالح يضِيء قبرَ صاحبه كما يضيء المصباح الظلمة . والسّكن : ما يسكن إليه . قوله : « ونَفَسا لكرب مواطنكم » ، أي سعَة ورَوْحاً . ومكتنفة : محيطة . والأُوَار : حرّ النار والشمس . وعَزَبت : بُعدت . واحلولت : صارت حلوة . وتراكُمها : اجتماعها وتكاثُفها . وأسهلت : صارت سهلة . بعد إنصبابها ، أي بعد إتعابها لكم ؛ أنصبته : أتعبته . وهطلت : سالت . وقحوطها : قلّتها ووَتاحتها . وتحدّبت عليه : عطفت وحَنَت . نضوبها : انقطاعها ، كنضوب الماء : ذهابه . ووبلَ المطر : صار وابلاً ، وهو أشدّ المطر وأكثره . وإرذاذها : إتيانها بالرَّذاذ وهو ضعيف المطر .
قوله : « فعبِّدوا أنفسكم » ، أي ذللوها ، ومنه طريق معبّد . وأخرجوا إليه من حقّ طاعته ، أي أدّوا المفتَرَض عليكم من العبادة ، يقال : خرجت إلى فلانٍ من دَيْنه ، أي قضيته إياه .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8696
صفحه از 712
پرینت  ارسال به