ثم زاد المعنى تأكيدا فقال : « قرُب فنأى » ، أي قرب فعلاً فنأى ذاتاً ، أي أفعاله قد تُعلم ؛ ولكنّ ذاته لا تعلم . ثم قال : « وعلا فدنا » ، أي لمّا علا عن أن تحيط به العقول عرفته العقول ، لا أنّها عرفت ذاته ، لكن عرفت أ نّه شيء لا يصحّ أن يعرف ، وذلك خاصّته سبحانه ، فإنّ ماهيّته يستحيل أن تتصوّر للعقل لا في الدنيا ولا في الآخرة ، بخلاف غيره من الممكنات . ثم أكّد المعنى بعبارة أُخرى ، قال : « وظهر فبطَن ، وبطن فعلَن » ، وهذا مثل الأوّل . ودان : غلب وقَهر ، ولم يُدَنْ : لم يقهر ولم يغلب . ثم قال : « لم يذرأ الخلق باحتيال » ، أي لم يخلقْهم بحيلة توصّل بها إلى إيجادهم ، بل أوجدَهُم على حسب عِلمه بالمصلحة خلقاً مخترعاً من غير سبب ولا واسطة . « ولا استعان بهم لكَلاَل »، أي لإعياء ، أي لم يأمر المكلَّفين بالجهاد لحاجته في قهر أعدائه ، وجاحدي نعمته إليهم ؛ وليس بكالٍّ ولا عاجز عن إهلاكهم ، ولكنّ الحكمةَ اقتضتْ ذلك ، قال سبحانه : «وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمُ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ » ۱ ، أي لبطل التكليف .
ثم ذكر أنّ التقوى قِوام الطاعات التي تقوم بها ، وزمام العبادات ؛ لأنها تمسِك وتحصِّن ، كزمام الناقة المانع لها من الخبْط . والوثائق : جمع وثيقة ، وهي ما يوثق به . وحقائقها : جمع حقيقة ؛ وهي الراية ، يقال : فلان حامي الحقيقة . قوله : « تَؤُلْ » بالجزم ؛ لأ نّه جواب الأمر ، أي ترجع . والأكنان : جمع كِنّ وهو السّاتر . والدّعة : الراحة . السَّعَة : الجِدَة . والمعاقل : جمع مَعْقِل ، وهو الملجأ . والحِرْز : الحفظ . وتشخص الأبصار : تبقى مفتوحة لا تطرف . والأقطار : الجوانب . والصُّروم : جمع صُرْم وصِرْمة ، وهي القطعة من الإبل نحو الثلاثين . والعِشار : النّوق أتى عليها من يوم أُرسل الفحل فيها عشرة أشهر ، فزال عنها اسم المخاض ، ولا يزال ذلك اسمها حتى تَضَع ، والواحدة عُشَراء ، وهذا من قوله تعالى : « وَإذَ الْعِشارُ عُطِّلَتْ » ۲ ، أي تركت مسيّبَة مهملَة لا يلتفت إليها أربابها ، ولا يحلبونها لاشتغالهم بأنفسهم . وتزهق كلّ مهجة : تهلك . وتبكَم كلّ لهجة ، أي تخرس ، رجل أبكم وبكيم ، والماضي بكِمَ بالكسر . والشُّمّ الشوامخ : الجبال العالية . وذُلّها : تدكْدكها ؛ وهي أيضاً الصمّ الرواسخ . فيصير صلدها ـ وهو الصلب الشديد انصلابه ـ سرابا ، وهو ما يتراءى في النهار فيظنّ ماءً . والرَّقراق : الخفيف . ومعهدها : ما جعل منها منزلاً للناس . قاعاً : أرضاً خالية . والسَّمْلق : الصفصف المستوي ، ليس بعضه أرفعَ وبعضه أخفض .