وَالْقِوَامُ ، فَتَمَسَّكُوا بِوَثَائِقِهَا ، وَاعْتَصِمُوا بِحَقَائِقِهَا ، تَؤلْ بِكُمْ إِلَى أَكْنَانِ الدَّعَةِ وَأَوْطَانِ السَّعَةِ ، وَمَعَاقِلِ الْحِرْزِ ، وَمَنَازِلِ الْعِزِّ يَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ، وَتُظْلِمُ لَهُ الأقْطَارُ ، وَتُعَطَّلُ فِيهِ صُرُومُ الْعِشَارِ . وَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ ، فَتَزْهَقُ كُلُّ مُهْجَةٍ ، وَتَبْكَمُ كُلُّ لَهْجَةٍ ، وَتَذِلُّ الشُّمُّ الشَّوَامِخُ ، وَالصُّمُّ الرَّوَاسِخُ ، فَيَصِيرُ صَلْدُهَا سَرَاباً رَقْرَقاً ، وَمَعْهَدُهَا قَاعاً سَمْلَقاً ، فَـلاَ شَفِيعٌ يَشَفَعُ ، وَلاَ حَمِيمٌ يَنْفَعُ ، وَلاَ مَعْذِرَةٌ تَدْفَعُ .
الشّرْحُ :
أظهر سبحانه من آثار سلطانه ، نحو خلق الأفلاك ودخول بعضها في بعض ، كالمَمِيل الذي يشتمِل على المائل ، وفلك التّدوير وغيرهما ؛ ونحو خلْق الإنسان وما تدلّ كتب التشريح من عجيب الحكمة فيه ؛ ونحو خلق النبات والمعادن ، وترتيب العناصر وعلاماتها ، والآثار العلوية المتجدّدة ، حسب تجدد أسبابها ، ما حيّر عقول هؤلاء ، وأشعر بأنها إذا لم يحِط بتفاصيل تلك الحِكم مع أنّها مصنوعة ، فالأوْلَى ألاّ تحيطَ بالصانع الذي هو بريءٌ عن المادة وعلائق الحسّ .
والمُقَل : جمع مُقْلة ؛ وهي شحمة العين الَّتي تجمع السواد والبياض ، ومقلتُ الشيء : نظرت إليه بمقلتي ، وأضاف المقل إلى « العقول » مجازا ، ومراده البصائر . وردع : زجر ودفع . وهماهِم النفوس : أفكارها وما يهمهم به عند التمثيل والرويَّة في الأمر ، وأصل الهمهمة ، صُوَيتٌ يسمع ، لا يفهم محصوله . والعِرْفان : المعرِفة . وكُنْه الشيء : نهايته وأقصاه . والإيقان : العِلْم القطعيّ . والإذعان : الانقياد . والأعلام : المنار والجبال يستدلّ بها في الطرقات . والمناهج : السُّبُل الواضحة . والطامسة كالدارسة . وصدَع بالحقّ : بيّن ، وأصله الشقّ يظهر ماتحته . ويقال : نَصحتُ لزيد ، وهو أفصح من قولك : نصحتُ زيداً . والقَصْد : العدل . والعَبَث : ما لا غرض فيه ، أو ما ليس فيه غرض مثله . والهمَل : الإبل بلا راع ؛ وقد أهمَلْتُ الإبل : أرسلتها سدىً .
قوله : « عَلِم مبلغ نعمه عليكم ، وأحصى إحسانه إليكم » ، أي هو عالم بكميَّة إنعامه عليكم علما مفصَّلاً ؛ وكلُّ مَنْ علم قدر نعمته على غيره كان أحرى أن تشتدّ نقمته عليه عند عصيانه له وجرأته عليه ، بخلاف مَنْ يجهل قدر نعمته على الغير ، فإنه لا يشتدّ غضبه ؛ لأ نّه لا يعلم قدر نعمته المكفورة .