647
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

وَالْقِوَامُ ، فَتَمَسَّكُوا بِوَثَائِقِهَا ، وَاعْتَصِمُوا بِحَقَائِقِهَا ، تَؤلْ بِكُمْ إِلَى أَكْنَانِ الدَّعَةِ وَأَوْطَانِ السَّعَةِ ، وَمَعَاقِلِ الْحِرْزِ ، وَمَنَازِلِ الْعِزِّ يَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ، وَتُظْلِمُ لَهُ الأقْطَارُ ، وَتُعَطَّلُ فِيهِ صُرُومُ الْعِشَارِ . وَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ ، فَتَزْهَقُ كُلُّ مُهْجَةٍ ، وَتَبْكَمُ كُلُّ لَهْجَةٍ ، وَتَذِلُّ الشُّمُّ الشَّوَامِخُ ، وَالصُّمُّ الرَّوَاسِخُ ، فَيَصِيرُ صَلْدُهَا سَرَاباً رَقْرَقاً ، وَمَعْهَدُهَا قَاعاً سَمْلَقاً ، فَـلاَ شَفِيعٌ يَشَفَعُ ، وَلاَ حَمِيمٌ يَنْفَعُ ، وَلاَ مَعْذِرَةٌ تَدْفَعُ .

الشّرْحُ :

أظهر سبحانه من آثار سلطانه ، نحو خلق الأفلاك ودخول بعضها في بعض ، كالمَمِيل الذي يشتمِل على المائل ، وفلك التّدوير وغيرهما ؛ ونحو خلْق الإنسان وما تدلّ كتب التشريح من عجيب الحكمة فيه ؛ ونحو خلق النبات والمعادن ، وترتيب العناصر وعلاماتها ، والآثار العلوية المتجدّدة ، حسب تجدد أسبابها ، ما حيّر عقول هؤلاء ، وأشعر بأنها إذا لم يحِط بتفاصيل تلك الحِكم مع أنّها مصنوعة ، فالأوْلَى ألاّ تحيطَ بالصانع الذي هو بريءٌ عن المادة وعلائق الحسّ .
والمُقَل : جمع مُقْلة ؛ وهي شحمة العين الَّتي تجمع السواد والبياض ، ومقلتُ الشيء : نظرت إليه بمقلتي ، وأضاف المقل إلى « العقول » مجازا ، ومراده البصائر . وردع : زجر ودفع . وهماهِم النفوس : أفكارها وما يهمهم به عند التمثيل والرويَّة في الأمر ، وأصل الهمهمة ، صُوَيتٌ يسمع ، لا يفهم محصوله . والعِرْفان : المعرِفة . وكُنْه الشيء : نهايته وأقصاه . والإيقان : العِلْم القطعيّ . والإذعان : الانقياد . والأعلام : المنار والجبال يستدلّ بها في الطرقات . والمناهج : السُّبُل الواضحة . والطامسة كالدارسة . وصدَع بالحقّ : بيّن ، وأصله الشقّ يظهر ماتحته . ويقال : نَصحتُ لزيد ، وهو أفصح من قولك : نصحتُ زيداً . والقَصْد : العدل . والعَبَث : ما لا غرض فيه ، أو ما ليس فيه غرض مثله . والهمَل : الإبل بلا راع ؛ وقد أهمَلْتُ الإبل : أرسلتها سدىً .
قوله : « عَلِم مبلغ نعمه عليكم ، وأحصى إحسانه إليكم » ، أي هو عالم بكميَّة إنعامه عليكم علما مفصَّلاً ؛ وكلُّ مَنْ علم قدر نعمته على غيره كان أحرى أن تشتدّ نقمته عليه عند عصيانه له وجرأته عليه ، بخلاف مَنْ يجهل قدر نعمته على الغير ، فإنه لا يشتدّ غضبه ؛ لأ نّه لا يعلم قدر نعمته المكفورة .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
646

لاعوجاجه . واللُّمَة ، بالتخفيف : الجماعة . والحُمَة ، بالتخفيف أيضا : السمّ ، وكنى عن إحراق النار بالحمة للمشابهة في المضرّة .

۱۸۸

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّهِ الَّذِي أَظْهَرَ مِنْ آثَارِ سُلْطَانِهِ ، وَجَلاَلِ كِبْرِيَائِهِ ، مَا حَيَّرَ مُقَلَ الْعُقُولِ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِهِ ، وَرَدَعَ خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ النُّفُوسِ عَنْ عِرْفَانِ كُنْهِ صِفَتِهِ . وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ ، شَهَادَةَ إِيمَانٍ وَإِيقَانٍ ، وَإِخْـلاَص وَإِذْعَانٍ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ وَأَعْلاَمُ الْهُدَى دَارِسَةٌ ، وَمَنَاهِجُ الدِّينِ طَامِسَةٌ ، فَصَدَعَ بِالْحَقِّ ؛ وَنَصَحَ لِلْخَلْقِ ، وَهَدَى إِلَى الرُّشْدِ ، وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .
وَاعْلَمُوا ـ عِبَادَ اللّهِ ـ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً ، وَلَمْ يُرْسِلْكُمْ هَمَلاً ، عَلِمَ مَبْلَغَ نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ ، وَأَحَصَى إِحْسَانَهُ إِلَيْكُمْ ، فَاسْتَفْتِحُوهُ وَاسْتَنْجِحُوهُ ، وَاطْلُبُوا إِلَيْهِ وَاسْتَمْنِحُوهُ ، فَمَا قَطَعَكُمْ عَنْهُ حِجَابٌ ، وَلاَ أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَهُ بَابٌ . وَإِنْهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ ، وَفِي كُلِّ حِين وَأَوَانٍ ، وَمَعَ كُلِّ إِنْس وَجَانٍّ ؛ لاَ يَثْلِمُهُ الْعَطَاءُ ، وَلاَ يَنْقُصُهُ الْحِبَاءُ ، وَلاَ يَسْتَنْفِدُهُ سَائِلٌ ، وَلاَ يَسْتَقْصِيهِ نَائِلٌ ، وَلاَ يَلْوِيهِ شَخْصٌ عَنْ شَخْص ، وَلاَ يُلْهِيهِ صَوْتٌ عَنْ صَوْتٍ ، وَلاَ تَحْجُزُهُ هِبَةٌ عَنْ سَلْبٍ ، وَلاَ يَشْغَلُهُ غَضَبٌ عَنْ رَحْمَةٍ ، وَلاَ تُولِهُهُ رَحْمَةٌ عَنْ عِقَابٍ ، وَلاَ يُجِنُّهُ الْبُطُونُ عَنِ الظُّهُورِ ، وَلاَ يَقْطَعُهُ الظُّهُورُ عَنِ الْبُطُونِ . قَرُبَ فَنأَى ، وَعَلاَ فَدَنَا ، وَظَهَرَ فَبَطَنَ ، وَبَطَنَ فَعَلَنَ ، ودَانَ وَلَمْ يُدَنْ . لَمْ يَذْرَأ الْخَلْقَ بِاحْتِيَالٍ ، وَلاَ اسْتَعَانَ بِهِمْ لِكَـلاَلٍ . أُوصِيكُمْ ـ عِبَادَ اللّهِ ـ بِتَقْوَى اللّهِ ، فَإِنَّهَا الزِّمَامُ

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8367
صفحه از 712
پرینت  ارسال به