أكّدوه عليه بالسّعايات والنمّـائم ، وإغراء السلطان به . « ومقنِطُو الرّجاء » ، أي أهل الرجاء ، أي يبدّلون بشرورهم وأذاهم رَجاء الرّاجي قُنوطاً .
قوله : « وإلى كلّ قلب شفيع » ، يصف خلابة ألسنتِهم وشدّة مَلقِهم ، فقد استحوذُوا عَلَى قلوب الناس بالرّياء والتصنّع . « ولكل شجو دموع » ، الشجو : الحزْن ، أي يبكون تباكيا وتعمّلاً لاحقا ، عند أهلِ كلّ حزن ومصاب . يتقارضون الثناء ، أي يثني زيد عَلَى عمرو ، ليثنيَ عمروٌ عليه في ذلك المجلس ، أو يبلغه فيثني عليه في مجلس آخر ، مأخوذ من القَرْض . ويتراقبون الجزاء : يرتقب كلّ واحدٍ منهم عَلَى ثنائه ومدْحِه لصاحبه جزاءً منه ، إمّا بالمال أو بأمر آخر ، نحو ثناء يثني عليه ، أو شفاعة يشفع له ، أو نحو ذلك . والإلحاف في السؤال : الاستقصاء فيه ، وهو مذموم ، قال اللّه تعالى : « لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلحافا » ۱ .
قوله : « وإن عَذَلوا كشفوا » ، أي إذا عذَلك أحدُهم كشف عيوبَك في ذلك اللّوم والعَذَل ، وجبّهك بها ، وربّما لا يستحي أن يذكُرَ حالك بمحضر ممّن لا تحبّ ذكرَها بحضْرته ، وليسوا كالناصحين عَلَى الحقيقة ، الذين يعرّضون عند العتاب بالذنب تعريضا لطيفاً ليقلع الإنسان عنه . وإن حكموا أسرفُوا ، إذا سألك أحدُهم ففوّضتَه في مالك أسرفَ ولم يقنع بشيء ، وأحبّ الاستئصال . قد أعدُّوا لكلّ حقٍّ باطلاً ؛ يقيمون الباطل في معارضة الحقّ ، والشبهة في مصادمة الحجّة . ولكلِّ دليلٍ قائم وقول صحيح ثابت ، احتجاجاً مائلاً مضادّا لذلك الدليل ، وكلاماً مضطربا لذلك القول . ولكلّ باب مفتاحاً ، أي ألسنتهم ذلِقةٌ قادرةٌ عَلَى فَتْح المغلَقاتِ ، للطْف توصّلهم ، وظَرْف منطقهم . ولكل ليل مصباحاً ، أي كلّ أمرٍ مظلم فقد أعدّوا له كلاما ينيره ويضيئه ، ويجعله كالمصباح الطارِد للّيل . ويتوصلون إلى مطامعهم بإظهار اليأس عمّا في أيدي الناس ، وبالزّهد في الدنيا . وفي الأثر : شرّكم مَنْ أخذ الدنيا بالدين .
ثم قال : إنّما فعلوا ذلك ليقيموا به أسواقَهم ، أي لتنفق سِلْعَتُهم . والأعلاق : جمع عِلْق ، وهو السلعة الثمينة . يقولون فيشبّهون ، يوقعون الشُّبَه في القلوب . ويصفون فيموّهون ؛ التمويه التزيين ، وأصله أن تطلى الحديدة بذهب يحسّنها . قد هيّئوا الطريق ، أي الطريق الباطل قد هيئوها لتُسلك بتمويهاتهم . وأضلعوا المضيق : أمالوه ، وجعلوه ضِلَعاً ، أي معوجّا ، أي جعلوا المسلك الضيّق معوجّا بكلامهم وتلبيسهم ، فإذا أسلكوه إنسانا اعوجّ