لا فُحْشَ له أصلا ، فكنى عن العَدم بالبعد ؛ لأ نّه قريب منه . « ليّنا قوله » ، العارف بسّام طلْق الوجه ، ليّن القوْل ، وفي صفات النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « ليس بفَظّ ولا صَخّاب » . قوله : « في الزلازل وقور » ، أي لا تحرّكه الخطوب الطارقة . « لا يحيفُ على من يُبغض » ، هذا من الأخلاق الشريفة النبوية . « يعترف بالحق قبل أن يُشهد عليه » ؛ لأ نّه إن أنكر ثم شُهد عليه فقد ثبت كذبه ، وإن سكت ثم شُهد عليه فقد أقام نفسَه في مقام الرِّيبة . قوله : « ولا ينابز بالألقاب » ، هذا من قوله تعالى : « وَلاَ تَنَابَزُوا بالألْقَابِ » ۱ . « ولا يضارّ بالجار » ، في الحديث المرفوع : « أوصانِي ربّي بالجار حتى ظنَنتُ أن يورّثه » . قوله : « ولا يشمت بالمصائب » ، نظير قول الشاعر :
فَلَسْتَ تَرَاهُ شَامِتا بمصِيبَةٍوَلاَ جَزِعا منْ طارِقِ الحدَثَان
قوله : « إن صمت لم يغمّه صمته » ، أي لا يحزن لفوَات الكلام ؛ لأ نّه يَرى الصّمت مغنماً لا مغرماً . « وإن ضحك لم يعلُ صوتُه » ، هكذا كان ضحكُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، أكثره التبسّم ، وقد يفرُّ أحياناً ، ولم يكن من أهل القهقهة والكَرْكَرة . قول : « وإن بُغي عليه صَبَر » ، هذا من قول اللّه تعالى : « ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنّهُ اللّهُ » ۲ . قوله : « نفسه منه في عناء » ؛ لأ نّه يتعبُها بالعبادة ، والناس لا يلقون منه عَنَتا ولا أذىً ، فحالهم بالنسبة إليه خلاف حال نفسه بالنسبة إليه .
قوله : « فصعق همام » ، أُغمي عليه ومات ، قال اللّه تعالى : « فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ » ۳ . قوله : « كانت نفسه فيها » ، أي مات .
« ونفثَ الشيطان على لسانك » ، أي تكلّم بلسانك ، وأصله النفخ بالفم ، وهو أقل من التّفل ؛ وإنّما نهى أمير المؤمنين القائل : « فهلاّ أنت يا أمير المؤمنين ! » ؛ لأ نّه اعترض في غير موضع الاعتراض ، وذلك أنه لا يلزم من موت العاميّ عند وعظ العارف أن يموتَ العارف عند وعظ نفسه ؛ لأنّ انفعال العاميِّ ذي الاستعداد التامّ للموت عند سماع المواعظ البالغة أتمّ من استعداد العارف عند سماع كلام نفسه ؛ أو الفكر في كلام نفسه ، لأنّ نفس العارف قوية جدّا ، والآلة التي يحفر بها الطين قد لا يحفر بها الحجَر .
فإن قلتَ : فإنّ جواب أمير المؤمنين عليه السلام للسائل غيرُ هذا الجواب!