639
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

« وإيماناً في يقين » ، حرف الجرّ متعلّق بمحذوفٍ : أي كائناً في يقين ، أي مع يقين .
فإن قلت : الإيمان هو اليقينُ فكيف ، قال : « وإيمانا في يقين »؟
قلت : الإيمانُ هو الاعتقاد مضافا إلى العمل ، واليقين هو سكون القلْب فقط ، فأحدُهما غير الآخر .
قوله : « وحرْصا في علم » ، حرف الجرّ هاهنا يتعلّق بالظاهر ، و « في » بمعنى « على » كقوله تعالى : « ولأُصَلِّبَنّكُم فِي جُذُوع النَّخْلِ » ۱ . قوله : « وقصداً في غنىً » ، حرف الجرّ متعلّق بمحذوف ، أي هو مقتصد مع كونه غنياً ، وليس يجوز أن يكون متعلّقا بالظاهر ؛ لأ نّه لا معنى لقولك : اقتصِدْ في الغِنَى ، إنما يقال : اقتصد في النّفقة ؛ وذلك الاقتصاد موصوف بأنه مقارن للغنى ومجامع له . قوله : « وخشوعاً في عبادة » ، حرف الجرّ هاهنا يحتمل الأمرين معاً . « وتجمّلاً في فاقة » ، حرف الجر هاهنا متعلّق بمحذوف ، ولا يصحّ تعلّقه بالظّاهر ؛ لأ نّه إنما يقال : فلان يتجمّل في لباسه ومروءته ، مع كونه ذا فاقة ، ولا يقال : يتجمّل في الفاقة ؛ على أن يكون التجمّل متعدّيا إلى الفاقة . قوله : « وصَبْرا في شدّة » ، حرف الجر هاهنا يحتمل الأمرين . « وطلباً في حلال » ، حرف الجر هاهنا يتعلّق بالظّاهر و « في » بمعنى « اللام » . « ونشاطاً في هدىً » ، حرف الجرّ هاهنا يحتمل الأمرين . « وتحرّجا عن طمع » ، حرف الجرّ هاهنا يتعلق بالظاهر لا غير . « يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل » ، قدْ تقدّم مثله .
قوله : « يمسى وهمّه الشكر » ، هذه درجة عظيمة من درجات العارفين ، وقد أثنى اللّه تعالى على الشكر والشاكرين في كتابه في مواضع كثيرة ، نحو قوله : « فَاذكُرُوني أذكُرْكُمْ واشكُرُوا لِي وَلاَ تَكفُرُونِ » ۲ ، فقرن الشّكر بالذّكْر . وقال تعالى : « مَا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذابِكُمْ إنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ » ۳ . قوله عليه السلام : « ويصبِحُ وَهَمُّه الذِّكْر » ، هذه أيضاً درجة كبيرة عظيمة من درجات العارفين ، قال تعالى : « فَاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ » . قوله عليه السلام : « يبيت حذِرا ويصبح فَرِحا ، حذرا لما حُذِّرَ من الغفلة ، وفرحا بما أصاب من الفَضْل والرحمة » ، وقد عرض عليه السلام هاهنا بالرّجاء المقابل للخوف ؛ فإنّ فرَح العارف بما أصاب من الفضل والرحمة يمكن أن يحمل على أ نّه فرح بمجرد ما أصاب من فضل اللّه ورحمته . ويمكِنُ أن يحمل على أ نّه فرح بما يرجوه من

1.سورة طه ۷۱ .

2.سورة البقرة ۱۵۲ .

3.سورة النساء ۱۴۷ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
638

وَلاَ يُنَابِزُ بِالألْقَابِ ، وَلاَ يُضَارُّ بالْجَارِ ، وَلاَ يَشْمَتُ بالْمَصَائِبِ ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ ، وَلاَ يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ . إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ ، وَإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ ، وَإِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ . نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ ، وَالنَّاْسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ . أَتْعَبَ نَفْسَهُ لاِخِرَتِهِ ، وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ . بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَنَزاهَةٌ ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنَهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ . لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَعَظَمَةٍ ، وَلاَ دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ .

قال : فصعق همَّام صعقة كانت نفسه فيها ، فقال أَمير المؤمنين عليه السلام : أَمَا وَاللّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ .
ثَمَّ قَالَ :
هكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ البَالِغَةُ بِأَهْلِهَا!
فقال له قائل : فما بالك يا أمير المؤمنين!
فقال عليه السلام :
وَيْحَكَ ، إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لاَ يَعْدُوهُ ، وَسَبَباً لاَ يَتَجَاوَزُهُ . فَمَهْلاً ، لاَ تَعُدْ لِمِثْلِهَا ، فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكَ!

الشّرْحُ :

هذه الألفاظ الّتي أولها : « قوّة في دين » ، بعضها يتعلّق حرف الجر فيه بالظّاهر ، فيكون موضعه نصبا بالمفعوليّة ، وبعضها يتعلّق بمحذوف ، فيكون موضعه نصباً أيضا على الصِّفة ، ونحن نفصّلها .
فقوله : « قوّة في دين » ، حرف الجرّ هاهنا متعلّق بالظاهر ، وهو « قُوّة » ، تقول : فلان قويّ في كذا وعلى كذا ، كما تقول : مررتُ بكذا ، وبلغت إلى كذا . و « وحزماً في لين » ، هاهنا لا يتعلّق حرْف الجرّ بالظاهر ؛ لأ نّه لا معنى له ، ألا ترى أنّك لا تقول : فلان حازم في اللّين ؛ لأنّ اللّين ليس أمرا يحزم الإنسان فيه ، وليس كما تقول : فلان حازمٌ في رأيه أو في تدبيره ! فوجبَ أن يكون حرف الجر متعلّقاً بمحذوف ، تقديره : وحزماً كائنا في لين . وكذلك قوله :

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8774
صفحه از 712
پرینت  ارسال به