637
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

ومثل قوله : « أنا أعلَمُ بنفسي من غيري » ، قوله عليه السلام لمن زكّاه نفاقاً : « أنا دونَ ما تقول ، وفوقَ ما في نفسك » .
وقوله : « اللّهمّ لا تؤاخذني بما يقولون ... » إلى آخر الكلام مفرد مستقلّ بنفسه منقول عنه عليه السلام ؛ أنه قال لقوم مرّ عليهم وهم مختلفون في أمره ، فمنهم الحامِدُ له ، ومنهم الذامّ ، فقال : اللهمّ لا تؤاخذني ... » الكلمات إلى آخرها ، ومعناه : اللّهمّ إن كان ما ينسُبُه الذامّون إليّ من الأفعال الموجبة للذمّ حقّا ، فلا تؤاخذني بذلك ، واغفر لي ما لا يعلمونه من أفعالي ، وإن كان ما يقوله الحامدون حَقّا ، فاجعلني أفْضَلَ ممّا يظنونه فيّ .

الأصْلُ :

۰.فَمِنْ عَلاَمَةِ أَحَدِهِمْ : أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ ، وَحَزْماً فِي لِينٍ ، وَإِيمَاناً فِي يَقِينٍ ، وَحِرْصاً فِي عِلْمٍ ، وَعِلْماً فِي حِلْمٍ ، وَقَصْداً فِي غِنىً ، وَخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ ، وَتَجَمُّلاً فِي فَاقَةٍ ، وَصَبْراً فِي شِدَّةٍ ، وَطَلَباً فِي حَلاَلٍ ، وَنَشاطاً فِي هُدىً وَتَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ . يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَلٍ . يُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ . يَبِيتُ حَذِراً ، وَيُصْبِحُ فَرِحاً ؛ حَذِراً لِما حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ ، وَفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ . إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيَما تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيَما تُحِبُّ . قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيَما لاَ يَزُولُ ، وَزَهَادَتُهُ فِيَما لاَ يَبْقَى ، يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ ، وَالْقَوْلَ بِالْعَمَلِ . تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ ، قَلِيلاً زَلَلُهُ ، خَاشِعاً قَلْبُهُ ، قَانِعَةً نَفْسُهُ ، مَنْزُوراً أَكْلُهُ ، سَهْلاً أَمْرُهُ ، حَرِيزاً دِينُهُ ، مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ ، مَكْظُوماً غَيْظُهُ . الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ . إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ ، وَإِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ . يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ ، بَعِيداً فُحْشُهُ ، لَيِّناً قَوْلُهُ ، غَائِباً مُنْكَرُهُ ، حَاضِراً مَعْرُوفُهُ مُقْبِلاً خَيْرُهُ ، مُدْبِراً شَرُّهُ . فِي الزَّلاَزِلِ وَقُورٌ ، وَفِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ ، وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ . لاَ يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ ، وَلاَ يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ . يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ ، لاَ يُضِيّعُ مَا اسْتُحْفِظَ ، وَلاَ يَنْسَى مَا ذُكِّرَ ،


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
636

ويستثيرون به دواء دائهم ؛ إشارة إلى البكاء ، فإنه دواء داء الحزين .
ثم ذكر أنّهم إذا مَرّوا بآية فيها ذكر الثواب مالوا إليها ، واطمأنّوا بها ، طمعاً في نيله ، وتطلَّعت أنفسُهم إليها شَوْقا ، أي اشرأبّت . « ونصبَ أعينهم » منصوب على الظرفية ، وروي بالرفع ؛ على أنه خبر إنّ ؛ والظن هاهنا يمكن أن يكون على حقيقته ، ويمكن أن يكون بمعنى العلم ، كقوله تعالى « ألا يَظُنُّ أولئِكَ أنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ » ۱ . وأصغى إلى الكلام : مال إليه بسمعه . وزفيرُ النّار : صوتها .
ثم ذكر عليه السلام صورة صلاتهم وركوعهم ، فقال : « حانُون على أوْسَاطهم » ، حَنَيْتُ العُود : عَطَفته ، يصف هيئة ركوعهم وانحنائهم في الصّلاة . مفترشُون لجباههم : باسطون لها على الأرض .
ثم ذكر الأعضاء السّبعة التي مباشرتُها بالأرضِ فروضٌ في الصلاة ، وهي : الجبهة ، والكَفّان ، والرّكبتان ، والقَدَمان .
قوله عليه السلام : « يطلُبون إلى اللّه » ، أي يسألونه ، يقال : طلبتُ إليك في كذا ، أي سألتُك ، والكلام على الحقيقة ، مقدَّرٌ في حال محذوفة يتعلّق بها حرف الجرّ ، أي يطلبون سائلين إلى اللّه في فكاك رقابهم ؛ لأنّ « طلب » لا يتعدّى بحرف الجرّ .
ثم لما فرغ من ذكر الليل ، قال : « وأمّا النّهار فحلماء ، علماء ، أبرار أتقياء » ، هذه الصّفات هي التي يطلع عليها الناظرون لهم نهاراً ، وتلك الصفات المتقدّمة من وظائف الليل . ثم ذَكَر ماهمْ عليه من الخوف ، فقال عليه السلام : « إنّ خوفَهُمْ قد بَرَاهُمْ بَرْي القِداح » ، وهي السّهام ، واحدها قِدْح ، فينظر إليهم الناظر فيحسبَهم مرضى وما بهم من مرض . ويقال للمتّقين لشدّة خوفِهم : كأنهم مَرْضَى ، ولا مَرَضَ بهم . قوله عليه السلام : « ويقول قد خولطُوا » ، أي أصابتهم جِنّة . ثم قال : « ولقد خالطهم أمر عظيم » ، أي ما زجهم خوف عظيم تولّهوا لأجْلِه ، فصاروا كالمجانين .
ثم ذكر أنهم لا يستكثرون في كثير من أعمالهم ، ولا يرضيهم اجتهادهم ، وأنّهم يتّهمون أنفسهم ، وينسبونها إلى التقصير في العبادة . قال : « ومن أعمالهم مشفقون » ، أي مشفقون من عباداتهم ألاّ تُقبل ، وإلى هذا نظر أبو تمام ، فقال :

يتجنّب الآثام ثم يخافهافكأنما حسناتُهُ آثامُ

1.سورة المطففين ۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8817
صفحه از 712
پرینت  ارسال به