ثم بَيّن ما هذه الفضائل ، فقال : « منطقهم الصواب » ۱ . قوله عليه السلام : « وملبسهم الاقتصاد » ، أي ليس بالثمين جِدّا ، ولا بالحقير جدّا ، كالخِرَق التي تؤخَذ من عَلَى المزابل ؛ ولكنّه أمرٌ بين أمرين ؛ وكان عليه السلام يلبس الكَرابيسَ ، وهو الخام الغليظ . « ومشْيهُم التّواضع » ، تقديره : وصِفةُ مشيهم التواضع ، فحذف المضاف ، وهذا مأخوذ من قوله تعالى : « واقْصِدْ فِي مَشْيِكَ واغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ » ۲ . وقوله : « غَضُّوا أبصارهم » ، أي خَفَضُوها وغَمَضُوها ، وغضضت طرفي عن كذا : احتملت مكروهه . وقوله : « وقفوا أسماعهم على العِلم النافع لهم » ، أي لم يشغَلوا سمعهم بشيء غير العلوم النافعة ، أي لم يشتغلوا بسماع شِعْرٍ ولا غناء ولا أحاديث أهل الدنيا . « نزلت أنفُسهم منهم في البَلاَء ؛ كالَّذي نزلت في الرخاء » ، يعني أنّهم قد طابوا نفساً في البلاء والشدَّة كطيب أنفسهم بأحوالهم في الرّخاء والنعمة ؛ وذلك لقلَّة مبالاتهم بشدائد الدنيا ومصائبها .
ثم قال عليه السلام : إنّهم من شدّة شوقهم إلى الجنة ، ومن شدة خوفهم من النار ، تكاد أرواحُهم أن تفارق أجسادَهم ، لولا أنّ اللّه تعالى ضرب لهم آجالاً ينتهون إليها . ثم ذكر أنّ الخالِقَ لمّا عظُم في أعينهم استصغروا كلَّ شيء دونه ، وصاروا لشدَّة يقينهم ومكاشفتهم ، كمن رأى الجنّة فهو يتنعّم فيها ، وكمن رأى النار وهو يعذَّب فيها ، ولا ريبَ أنّ منْ يشاهد هاتيْن الحالتين ، يكون على قَدَمٍ عظيمة من العبادة والخوف والرجاء . ثم وصفهم بحزن القلوب ، ونحافة الأجسام ، وعفّة الأنفس وخفّة الحوائج ، وأنّ شرورهم مأمونة على الناس ، وأنهم صَبَروا صبرا يسيراً أعقبهم نعيماً طويلاً . ثم ابتدأهم فقال : تجارة مربحة ، أي تجارتهم تجارة مربحة ، فحذف المبتدأ . وروي : « تجارةً مربحةً » ، بالنصب على أنه مصدر محذوف الفعل .
قوله : « أمّا الليلَ » بالنصب على الظرفية ، وروي : « أمّا اللّيلُ » على الابتداء . قوله : « تالين » ، منصوب على أ نّه حال ؛ إمّا من الضمير المرفوع بالفاعلية في « صافُّون » أو من الضّمِير المجرور بالاضافة في « أقدامهم » . والترتيل : التبيين والإيضاح ، وهو ضدّ الإسراع والعَجَل ، ويروى : « يرتّلونه » على أنّ الضمير يعود إلى القرآن ، والرواية الأُولى يعود الضمير فيها إلى أجزاء القرآن . قوله : « يحزنون به أنفسهم » ، أي يستجلبون لها الحُزْن به ،