629
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

رسلُه ، من قوله تعالى : «وحَسُنَ أولَئِكَ رَفِيقا » ۱ .
ويوشك ، بكسر الشين ، فعلٌ مستقبَل ، ماضيه « أوشك » ، أي أسرع . ورهِقَه الأمر بالكسر : فاجأه . ويُسَدّ عنهم باب التوبة ؛ لأ نّه لا تقبل عند نزول الموت بالإنسان من حيث كان يفعلها خوفاً فقط ؛ لا لقبح القبيح ، قال تعالى : « وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعمَلُونَ السيِّئاتِ حَتى إذَا حَضَرَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إنِّي تُبْتُ الآنَ » ۲ . وإنما قال : في مثل ما سأل إليه الرجعة مَنْ كان قبلكم ، كقوله سبحانه : «حَتَّى إذَا جَاءَ أحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجعُونِ * لَعَلِّي أعْمَلُ صالحا فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إنّها كَلِمَةٌ هُوَ قَائلُهَا وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إلَى يومِ يُبْعَثُونَ » ۳ . وبنو سبيل : أرباب طريق مسافرون . وأوذِنَ فلان بكذا : أُعْلِم . وآذنته : أعلمته .

الأصْلُ :

۰.وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ ، فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ ، فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا . أَفَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ ، وَالْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ ، وَالرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ، ضَجِيعَ حَجَرٍ ، وَقَرِينَ شَيْطَانٍ ؟ !
أَعَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى النَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضَاً لِغَضَبِهِ ، وَإِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ ؟ !
أَيُّهَا الْيَفَنُ الْكَبِيرُ ، الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ الْقَتِيرُ ، كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ النَّارِ بِعِظَامِ الْأَعْنَاقِ ، وَنَشِبَتِ الجَوَامِعُ حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ السَّوَاعِدِ . فاللّهَ اللّهَ مَعْشَرَ الْعِبَادِ ! وَأَنْتُمْ سَالِمُونَ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ ، وَفِي الْفُسْحَةِ قَبْلَ الضِّيقِ . فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا . أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ ، وَأَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ ، وَاسْتَعْمِلُوا

1.سورة النساء ۶۹ .

2.سورة النساء ۱۸ .

3.سورة المؤمنين ۹۹ ، ۱۰۰ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
628

وكذلك قوله « وتَتكلّمون برجع قول قد قاله الرجال من قبلكم » ، يعنى كلمةَ التوحيد « لا إله إلاّ اللّه » ، قد قالها الموحّدون من قبل هذه الملّة ، لا تقليدا ، بل بالنَّظر والدليل ، فقولوها أنتم كذلك . ثم ذكر أ نّه سبحانه قد كفى الخلق مؤونة دنياهم .
قوله : « وافترض من ألسنتكم الذِّكْر » ، افترض عليكم أنْ تذكُروه وتشكروه بألسنتكم ، و « من » متعلَّقه بمحذوف دلّ عليه المصدر المتأخّر ؛ تقديره : « وافترض علكيم الذِّكْر من ألسنتكم الذكر » .
ثم ذكر أنّ التقوى المفترَضة هي رضَا اللّه وحاجته من خَلْقه ، لفظة « حاجته » مجاز ؛ لأنّ اللّه تعالى غنيٌّ غير محتاج ؛ ولكنه لما بالغ في الحثّ والحضّ عليها ، وتوعّد على تركها جعله كالمحتاج إلى الشيء ، ووجْهُ المشاركة أنَّ المحتاج يحثّ ويحضّ على حاجته ، وكذلك الآمر المكلّف إذا أكّد الأمر .
قوله : « أنتم بعينه » ، أي يعلم أحوالكم ، ونواصيكم بيده ؛ الناصيَة : مقدّم شعر الرأس ، أي هو قادر عليكم قاهرٌ لكم ، متمكّن من التصرّف فيكم ، كالإنسان القابض على ناصية غيره . وتقلّبكم في قبضته ، أي تصرّفكم تحت حكمه ، لو شاءَ أن يمنعَكم منعكم ؛ فهو كالشيء في قَبْضَة الإنسان ؛ إن شاء استدام القبض عليه ، وإنْ شاء ترَكه . ثم قال : إن أسررتُم أمرا علمه ، وأن أظهرتموه كَتَبَه ، ليس على أنّ الكِتَابة غيرُ العلم ، بل هما شيء واحد ؛ ولكنّ اللفظ مختَلِف . ثم ذكر أنّ الملائكة موكّلَة بالمكلّف ؛ وهذا هو نصّ الكتاب العزيز ؛ وقد تقدّم القول في ذلك .
ثم انتقل إلى ذكْر الجنَّة ؛ والكلام يدلّ على أنّها في السماء ، وأنّ العرش فوقها . ومعنى قوله : « اصطنعها لنفسه » إعظامُها وإجلالُها ، كما قال لموسى : « وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسي» ۱ ؛ ولأ نّه لما تعارفَ النّاس في تعظيم ما يصنعونه ، أن يقولَ الواحدُ منهم لصاحبه : قد وهبتك هذه الدّار التي اصطنعتُها لنفسي ، أي أحكمتها . قوله : « ونورها بهجتهُ » ، هذا أيضا مستعار ، كأنّه لما كان إشراقُ نورها عظيماً جدّا نسبه إلى بهجة البارئ ، وليس هناك بهجة على الحقيقة ؛ لأنّ البهجة حسن الخلقة ؛ قال تعالى : «وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » ۲ ، أي من كلّ صنف حسن . قوله : « وَزُوَّارُها ملائكتُه » قد ورد في هذا من الأخبار كثير جدّا ، ورفقاؤها :

1.سورة طه ۴۱ .

2.سورة ق ۷ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8509
صفحه از 712
پرینت  ارسال به