العزيز . والمَصْعَد : موضع الصعود ، ولا شبهة أنّ السماء أشرف من الأرض على رأي الملِّيِّين وعلى رأي الحكماء ، أمّا أهل المِلّة ، فلأنّ السماء مصعد الأعمال الصالحة ، ومحلّ الأنوار ، ومكان الملائكة ، وفيها العرش والكرسيّ ، والكواكب المدبِّرات أمرا ، وأمّا الحكماء فلأُمور [ أُخر ] تقتضيها أُصولهم .
الأصْلُ :
۰.جَعَلَ نُجُومَهَا أَعْـلاَماً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْحَيْرَانُ فِي مُخْتَلِفِ فِجَاجِ الْأَقْطَارِ . لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِهَا ادْلِهْمَامُ سُجُفِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، وَلاَ اسْتَطَاعَتْ جَـلاَبِيبُ سَوَادِ الْحَنَادِس أَنْ تَرُدَّ مَا شَاعَ فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ تَلألـُؤِ نُورِ الْقَمَرِ . فَسُبْحَانَ مَنْ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ سَوَادُ غَسَقٍ دَاجٍ ، وَلاَ لَيْلٍ سَاجٍ ، فِي بِقَاعِ الْأَرَضِينَ الْمُتَطَأْطِئَاتِ ، وَلاَ فِي يَفَاعِ السُّفْعِ الْمُتَجَاوِرَاتِ ؛ وَمَا يَتَجَلْجَلُ بِهِ الرَّعْدُ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ ، وَمَا تَـلاَشَتْ عَنْهُ بُرُوقُ الْغَمَامِ ، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ تُزِيلُهَا عَنْ مَسْقَطِهَا عَوَاصِفُ الْأَنْوَاءِ وَانْهِطَالُ السَّمَاءِ ! وَيَعْلَمُ مَسْقَطَ الْقَطْرَةِ وَمَقَرَّهَا ، وَمَسْحَبَ الذَّرَّةِ وَمَجَرَّهَا ، وَمَا يَكْفِي الْبَعُوضَةَ مِنْ قُوتِهَا ، وَمَا تَحْمِلُ الْأُنْثَى فِي بِطْنِهَا .
الشّرْحُ :
أعلاماً ، أي يستدلّ بها . والفجاج : جمع فَجّ ؛ وهو الطريق في الجبل .
ثم قال : إنّ ادلهمام سواد الليل ـ أي شدّة ظلمته ـ لم يمنع الكواكب من الإضاءة ؛ وكذلك أيضاً لم يمنع ظلام الليل القمر من تلألؤ نوره ؛ وإنّما خصّ القمر بالذِّكْر وإن كان من جملة الكواكب ، لشرفه بما يظهر للأبصار من عظم حَجْمه ، وشدّة إضاءته ، فصار كقوله تعالى : « فِيهمَا فَاكِهَةٌ وَنخْلٌ وَرُمَّانٌ » ۱ ، وقد روى بعض الرواة « ادلهمامَ » بالنصب ؛ وجعله مفعولاً ، « وضوءُ نورها » بالرفع وجعله فاعلاً ؛ وهذه الرواية أحسن في صناعة الكتابة لمكان الازدواج ؛ أي لا القمر ولا الكواكب تمنع الليل من الظّلمة ، ولا الليل يمنع الكواكب والقمر