615
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

من الإضاءَة .
والسُّجف : جمع سِجْف ، وهو السِّتر ، ويجوز فتح السين . وشاع : تفرّق ، والتلألؤ : اللّمَعان . والجلابيب : الثياب . والغَسق : الظلمة ، والساجي . الساكن . والدّاجي : المظلم ، والمتطأطئ : المنخفض . والسُّفْع المتجاورات هاهنا : الجبال ؛ وسماها سُفْعا لأنّ السُّفْعة سواد مشرب بحمرة ؛ وكذلك لونها في الأكثر . واليَفاع : الأرض المرتفعة . والتّجلجل : صوت الرعد . وما تلاشت عنه بروق الغمام ؛ تلاشى الشيء بمعنى اضمحلّ .
وقد ظهر الآن أنّ معنى كلامه عليه السلام أ نّه سبحانه يعلم ما يصوت به الرّعد ؛ ويعلم ما يضمحلّ عنه البرق .
والعواصف : الرّياح الشديدة ، وأضافها إلى الأنواء ؛ لأنّ أكثر ما يكون عَصَفَانُها في الأنواء ؛ وهي جمع نَوْء ، وهو سقوط النجم من منازل القمر الثمانية والعشرين في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق مقابلاً له من ساعته ؛ ومدّة النوْء ثلاثة عشر يوما ، إلاّ الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما . والانهطال : الانصباب . ومسقط القطرة من المطر : موضع سقوطها . ومقرّها : موضع قرارها . ومسحب الذرّة الصغيرة من النمل ومجرّها : موضع سحبها وجرّها .
وهذا الفصل من فصيح الكلام ونادره ؛ ويتضمّن من توحيد اللّه تعالى وتمجيده والثناء عليه ما يشهد لنفسه .

الأصْلُ :

۰.وَالْحَمْدُ للّه الْكَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ كُرْسِيٌّ أَوْ عَرْشٌ ، أَوْ سَمَاءٌ أَوْ أَرْضٌ ، أَوْ جَانٌّ أَوْ إِنْسٌ . لاَ يُدْرَكُ بِوَهْمٍ ، وَلاَ يُقَدَّرُ بِفَهْمٍ ، وَلاَ يَشْغَلُهُ سَائِلٌ ، وَلاَ يَنْقُصُهُ نَائِلٌ ، وَلاَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ ، وَلاَ يُحَدُّ بِأَيْنٍ ، وَلاَ يُوصَفُ بِالْأَزْوَاجِ ، وَلاَ يَخْلُقُ بِعِلاَجٍ ، وَلاَ يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ، وَلاَ يُقَاسُ بِالنَّاس . الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيماً ، وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ عَظيماً ؛ بِلاَ جَوَارِحَ وَلاَ أَدَوَاتٍ ، وَلاَ نُطْقٍ وَلاَ لَهَوَاتٍ . بَلْ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً أَيُّهَا الْمُتَكَلِّفُ لِوَصْفِ رَبِّكَ ، فَصِفْ جبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَجُنُودَ الْمَـلاَئِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ ، فِي حُجُرَاتِ الْقُدْس مُرْجَحِنِّينَ ، مُتَوَلِّهَةً عَقُولُهُمْ أَنْ يَحُدُّوا أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ . فَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالصِّفَاتِ ذَوُو الْهَيْئَاتِ وَالْأَدوَاتِ ، وَمَنْ يَنْقَضِي إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ . فَـلاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ ، أَضَاءَ بِنُورِهِ كُلَّ ظَـلاَمٍ ، وَأَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ كُلَّ نُورٍ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
614

العزيز . والمَصْعَد : موضع الصعود ، ولا شبهة أنّ السماء أشرف من الأرض على رأي الملِّيِّين وعلى رأي الحكماء ، أمّا أهل المِلّة ، فلأنّ السماء مصعد الأعمال الصالحة ، ومحلّ الأنوار ، ومكان الملائكة ، وفيها العرش والكرسيّ ، والكواكب المدبِّرات أمرا ، وأمّا الحكماء فلأُمور [ أُخر ] تقتضيها أُصولهم .

الأصْلُ :

۰.جَعَلَ نُجُومَهَا أَعْـلاَماً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْحَيْرَانُ فِي مُخْتَلِفِ فِجَاجِ الْأَقْطَارِ . لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِهَا ادْلِهْمَامُ سُجُفِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، وَلاَ اسْتَطَاعَتْ جَـلاَبِيبُ سَوَادِ الْحَنَادِس أَنْ تَرُدَّ مَا شَاعَ فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ تَلألـُؤِ نُورِ الْقَمَرِ . فَسُبْحَانَ مَنْ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ سَوَادُ غَسَقٍ دَاجٍ ، وَلاَ لَيْلٍ سَاجٍ ، فِي بِقَاعِ الْأَرَضِينَ الْمُتَطَأْطِئَاتِ ، وَلاَ فِي يَفَاعِ السُّفْعِ الْمُتَجَاوِرَاتِ ؛ وَمَا يَتَجَلْجَلُ بِهِ الرَّعْدُ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ ، وَمَا تَـلاَشَتْ عَنْهُ بُرُوقُ الْغَمَامِ ، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ تُزِيلُهَا عَنْ مَسْقَطِهَا عَوَاصِفُ الْأَنْوَاءِ وَانْهِطَالُ السَّمَاءِ ! وَيَعْلَمُ مَسْقَطَ الْقَطْرَةِ وَمَقَرَّهَا ، وَمَسْحَبَ الذَّرَّةِ وَمَجَرَّهَا ، وَمَا يَكْفِي الْبَعُوضَةَ مِنْ قُوتِهَا ، وَمَا تَحْمِلُ الْأُنْثَى فِي بِطْنِهَا .

الشّرْحُ :

أعلاماً ، أي يستدلّ بها . والفجاج : جمع فَجّ ؛ وهو الطريق في الجبل .
ثم قال : إنّ ادلهمام سواد الليل ـ أي شدّة ظلمته ـ لم يمنع الكواكب من الإضاءة ؛ وكذلك أيضاً لم يمنع ظلام الليل القمر من تلألؤ نوره ؛ وإنّما خصّ القمر بالذِّكْر وإن كان من جملة الكواكب ، لشرفه بما يظهر للأبصار من عظم حَجْمه ، وشدّة إضاءته ، فصار كقوله تعالى : « فِيهمَا فَاكِهَةٌ وَنخْلٌ وَرُمَّانٌ » ۱ ، وقد روى بعض الرواة « ادلهمامَ » بالنصب ؛ وجعله مفعولاً ، « وضوءُ نورها » بالرفع وجعله فاعلاً ؛ وهذه الرواية أحسن في صناعة الكتابة لمكان الازدواج ؛ أي لا القمر ولا الكواكب تمنع الليل من الظّلمة ، ولا الليل يمنع الكواكب والقمر

1.سورة الرحمن ۶۸ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8806
صفحه از 712
پرینت  ارسال به