613
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الشّرْحُ :

نفى عليه السلام أن يكون البارئ سبحانه مولودا فيكون له شريك في العزّ والإلهيّة ؛ وهو أبوه الذي ولده ، وإنّما قال ذلك جريا على عادة ملوك البشر ؛ فإنّ الأكثر أنّ الملِك يكونُ ابنَ ملك قبله ؛ ونفى أن يكون له ولد ، جرياً أيضاً على عادة البشَر ، في أنّ كلّ والدٍ في الأكثر ، فإنّه يهلِك قبل هلاك الولد ، ويرثه الولد ؛ وهذا النمط من الاحتجاج يسمّى خطابة ؛ وهو نافع في مواجهة العرَب به ، وأراد من الاحتجاج إثبات العقيدة ، فتارةً تثبت في نفوس العلماءبالبرهان ، وتارة تثبت في نفوس العوامّ بالخطابة والجدَل .
ثم نفى أنْ يتقدّمه وقت أو زمان ، والوقت هو الزمان ، وإنّما خالف بين اللفظيْن ، وأتى بحرف العطف ؛ كقوله تعالى : « لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجاً » ۱ . ونفي أن يتعاوره ، أي تختلف عليه زيادة أو نقصان ؛ يقال : عاورت زيداً الضّرب ، أي فعلت به من الضّرْب مثل ما فعل بي ؛ واعتوروا الشيء ، أي تداولوه فيما بينهم .
قوله عليه السلام : « موطّدات » ، أي ممهّدات مثبتات . والعَمَد : جمع عماد ، نحو إهاب وأهَب ، وإدام وأدَم ؛ وهو على خلاف القياس ؛ ومنه قوله تعالى : « فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ » ۲ ، وقوله تعالى : « رَفَعَ السَّمَواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا » ۳ . والسَّنَد : ما يستند إليه . ثم قال : « دعاهنّ فأجبن طائعاتٍ » ؛ هذا من باب المجاز والتوسّع ؛ لأنّ الجماد لا يُدْعى ؛ وأمّا من قال : إنّ السماوات أحياء ناطقة ، فإنّه لم يجعلهنّ مكلّفات ليقال : ولولا إقرارهنّ له بالربوبيّة لما فعل كذا ؛ بل يقول ذلك على وجْهٍ آخر ؛ ولكن لغة العرب تنطق بمثل هذا المجاز ، نحو قول الراجز :

امْتَلأَ الْحوْضُ وَقَالَ قَطْنِيمَهْلاً رويدا قَدْ مَلأْتَ بطْنِي
ومنه قوله تعالى : « ائتِيَا طَوْعا أَوْ كَرْها قَالَتَا أتَيْنَا طَائِعِينَ » ۴ .
والمذعِن : المنقاد المطيع . والمتلكّئ : المتوقف . والكلم الطيّب : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدا صلى الله عليه و آله وسلم رسوله . والعمل الصالح : أداء الواجبات والنوافل ؛ واللفظات من القرآن ۵

1.سورة المائدة ۴۸ .

2.سورة الهمزة ۹ .

3.سورة الرعد ۲ .

4.سورة فصلت ۱۱ .

5.من قوله تعالى في سورة فاطر ۱۰ : « إلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِمُ الطيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ » .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
612

ثم بالغ في الحمد حمدا يكون لحقّة قضاء ، ولشكره أداء ؛ وذلك لأنّ الحمد والشكر [ ولو بلغ ] أقصى غاياته لم يصلْ إلى أن يكون قاضياً لحقّ اللّه تعالى ، ولا مؤدِّيا لشكره ؛ ولكنّه قال ذلك على سبيل المبالغة . ثم قال : « وإلى ثوابه مقرّباً ، ولحسن مزيده موجباً » ؛ وذلك لأنّ الشكر يوجِب الثواب والمزيد ، قال اللّه تعالى : « فَاذْكُروني أذْكُرْكُمْ » ۱ ، أي « أثبكم » ، وقال : « لَئنْ شَكَرتُمْ لأزِيدَنَّكُم » ۲ .
ثم شرع في الاستعانة باللّه ففصّلها أحسنَ تفصيل ، فذكر أنه يستعين به استعانة راجٍ لفضله في الآخرة ، مؤمّل لنفعه في الدنيا ، واثقٍ بدفعه المضارّ عنه ؛ وذلك لأ نّه أراد أن يحتويَ على وجوه ما يستعان به تعالى لأجله ، فذكر الأمورَ الإيجابيَّة ، وأعقبها بالأُمور السلبيّة ، فالأُولى جلب المنافع ، والثانية دفع المضارّ .
والطّول : الإفضال . والإذعان : الانقياد والطاعة . وأناب إليه : أقبل وتاب . وخنع : خضع ، والمصدر الخنوع . ولاذ به : لجأ إليه .

الأصْلُ :

۰.لَمْ يُولَدْ سُبْحَانَهُ فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً ، وَلَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هَالِكاً . وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَقْتٌ وَلاَ زَمَانٌ ، ولَمْ يَتَعَاوَرْهُ زِيَادَةٌ وَلاَ نُقْصَانٌ ، بَلْ ظَهَرَ لِلْعُقُولِ بِمَا أَرَانَا مِنْ عَـلاَمَاتِ التَّدْبِيرِ الْمُتْقَنِ ، وَالْقَضَاءِ الْمُبْرَمِ .فَمِنْ شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ مُوَطَّدَاتٍ بِـلاَ عَمَدٍ ، قَائِمَاتٍ بِلاَ سَنَدٍ . دَعَاهُنَّ فَأَجَبْنَ طَائِعَاتٍ مُذْعِنَاتٍ ، غَيْرَ مُتَلَكِّئَاتٍ وَلاَ مُبْطِئَاتٍ ؛ وَلَوْلاَ إِقْرَارُهُنَّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَإِذْعَانُهُنَّ بِالطَّوَاعِيَةِ ، لَمَا جَعَلَهُنَّ مَوْضِعاً لِعَرْشِهِ ، وَلاَ مَسْكَناً لِمَـلاَئِكَتِهِ ، وَلاَ مَصْعَداً لِلْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ .

1.سورة البقرة ۱۵۲ .

2.سورة إبراهيم ۷ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8816
صفحه از 712
پرینت  ارسال به