ثم بالغ في الحمد حمدا يكون لحقّة قضاء ، ولشكره أداء ؛ وذلك لأنّ الحمد والشكر [ ولو بلغ ] أقصى غاياته لم يصلْ إلى أن يكون قاضياً لحقّ اللّه تعالى ، ولا مؤدِّيا لشكره ؛ ولكنّه قال ذلك على سبيل المبالغة . ثم قال : « وإلى ثوابه مقرّباً ، ولحسن مزيده موجباً » ؛ وذلك لأنّ الشكر يوجِب الثواب والمزيد ، قال اللّه تعالى : « فَاذْكُروني أذْكُرْكُمْ » ۱ ، أي « أثبكم » ، وقال : « لَئنْ شَكَرتُمْ لأزِيدَنَّكُم » ۲ .
ثم شرع في الاستعانة باللّه ففصّلها أحسنَ تفصيل ، فذكر أنه يستعين به استعانة راجٍ لفضله في الآخرة ، مؤمّل لنفعه في الدنيا ، واثقٍ بدفعه المضارّ عنه ؛ وذلك لأ نّه أراد أن يحتويَ على وجوه ما يستعان به تعالى لأجله ، فذكر الأمورَ الإيجابيَّة ، وأعقبها بالأُمور السلبيّة ، فالأُولى جلب المنافع ، والثانية دفع المضارّ .
والطّول : الإفضال . والإذعان : الانقياد والطاعة . وأناب إليه : أقبل وتاب . وخنع : خضع ، والمصدر الخنوع . ولاذ به : لجأ إليه .
الأصْلُ :
۰.لَمْ يُولَدْ سُبْحَانَهُ فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً ، وَلَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هَالِكاً . وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَقْتٌ وَلاَ زَمَانٌ ، ولَمْ يَتَعَاوَرْهُ زِيَادَةٌ وَلاَ نُقْصَانٌ ، بَلْ ظَهَرَ لِلْعُقُولِ بِمَا أَرَانَا مِنْ عَـلاَمَاتِ التَّدْبِيرِ الْمُتْقَنِ ، وَالْقَضَاءِ الْمُبْرَمِ .فَمِنْ شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ مُوَطَّدَاتٍ بِـلاَ عَمَدٍ ، قَائِمَاتٍ بِلاَ سَنَدٍ . دَعَاهُنَّ فَأَجَبْنَ طَائِعَاتٍ مُذْعِنَاتٍ ، غَيْرَ مُتَلَكِّئَاتٍ وَلاَ مُبْطِئَاتٍ ؛ وَلَوْلاَ إِقْرَارُهُنَّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَإِذْعَانُهُنَّ بِالطَّوَاعِيَةِ ، لَمَا جَعَلَهُنَّ مَوْضِعاً لِعَرْشِهِ ، وَلاَ مَسْكَناً لِمَـلاَئِكَتِهِ ، وَلاَ مَصْعَداً لِلْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ .