583
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الشّرْحُ :

صَدْر الكلام في ذكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ويتلوه فُصول :
أوّلها : ( أنّ أحقّ الناس بالإمامة أقواهم عليها ) ، وأعلمهم بحكم اللّه فيها ، وهذا لا ينافي مذهب أصحابنا البغداديين في صحة إمامة المفضول ۱ .
فإن قلت : أيّ فرقٍ بين أقواهم عليه وأعلمهم بأمر اللّه فيه؟
قلت : أقواهم أحسنُهم سياسة ، وأعلمهم بأمر اللّه أكثرُهم علماً وإجراءً للتدبير بمقتضى العلم ؛ وبين الأمريْن فرق واضح ، فقد يكون سائساً حاذقاً ، ولا يكون عالماً بالفقه ، وقد يكون سائساً فقيهاً ، ولا يجري التدبير على مقتضى علمه وفقهه .
وثانيها : أنّ الإمامة لا يشترط في صحة انعقادها أن يحضُرها الناسُ كافّة ؛ لأ نّه لو كان ذلك مشتَرطاً لأدّى إلى ألاّ تنعقد إمامة أبدا ، لتعذّر اجتماع المسلمين من أطراف الأرض ، ولكنّها تنعقد بعقد العلماء وأهل الحلّ والعقد الحاضرين ، ثم لا يجوز بعد عقدها لحاضريها أن يرجعُوا من غير سبب يقتَضِي رجوعَهم ، ولا يجوز لمن غاب عنها أن يختار غير مَنْ عقد له ، بل يكون محجوجا بعقد الحاضرين ، مكلّفاً طاعة الإمامة المعقود له . وعلى هذا جرت الحال في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، وانعقد إجماع المسلمين عليه ؛ وهذا الكلام تصريح بصحة مذهب أصحابنا في أن الاختيار طريق إلى الإمامة ، ومبطل لما تقوله الإماميّة من دعوى النصّ عليه ؛ ومن قولهم لا طريق إلى الإمامة سوى النصّ ۲ .

1.بل فيه دليل على اعتبار الأفضلية في الإمامة ، وعدم جواز إمامة المفضول ، لا سيّما مع قوله عليه السلام : « فإن شغب شاغب .. » . و « الشغْب » تهييج الشرّ ، فإذا تمت البيعة للإمام العالم والمدبّر العادل ، ثم خرج عليه شرّير فاسد يستعتب ، والمراد بالاستعتاب طلب الرجوع بالكلام أو بالمراسلة وإلاّ بالحرب أو غيرها .

2.أقول : إنّما احتجّ الإمام عليه السلام بالإجماع إلزاما للخصم بما يلتزم به ، ولمجرد الاحتجاج على أمثال معاوية وعمرو بن العاص بغضّ النظر عن تحديد هوية الخلافة وطرق الاستدلال عليها ؛ لأنهم قد اتفقوا على العمل به في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان . وأمّا عدم تمسّكه بالنصّ مع ثبوته عنده وعند آله بما يلتزم به لعلمه بعدم التفاتهم إليه ، كيف وقد أعرضوا عنه في أول الأمر مع قرب العهد بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم وسماعهم منه ، والأنصار قد سبقوا الجميع في الاستخفاف به ، والإمام عليه السلام كان يقدّر آنذاك أنّ الحزب الحاكم سوف يستبسل في إنكار النص إذا جاهر به ، ولا يقف إلى جانبه صف ينتصر له في دعواه ؛ لأنّ الناس بين من قادهم الهوى السياسي إلى إنكار عملي للنصّ يسدّ عليهم مجال التراجع ، وبين من يرى أنّ فكرة النصّ تجعل من الخلافة وقفا على بني هاشم بدون منازع . وإذا أصرت السلطة الحاكمة على إنكار النصّ وسكت الآخرون ، فمعنى هذا أنّ النص يفقد قيمته الواقعية ، ولهذا لم يكن للاحتجاج بالنصّ أثر واضح . بخاصة أنّ المقام مقام جدل يختار فيه إيراد ما يلتزم به الخصم ويقطع شغبه .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
582

فقد اعتقدوا إباحة ما حرّم اللّه ، فيكون حالُهم حالَ من اعتقد أنّ الزنا مباح ، أو أنّ شربَ الخمر مباح .
وقال القطب الراوندي : يريد أنهم داخلون في عموم قوله تعالى : « إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادا أنْ يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا » ۱ .
ولقائل أن يقول : الإشكال إنما وقع في قوله : « لو لم يصيبوا من المسلمين إلاَّ رجلاً واحداً لحلّ لي قتل ذلك الجيش بأسره » ؛ لأنهم حضروا المنكر ولم يدفعوه بلسانٍ ولا يدٍ ، فهو علّل استحلاله قتلهم بأنهم لم ينكروا المنكر ، ولم يعلل ذلك بعموم الآية .
وأما معنى قوله : « دع ما إنهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة التي دخلوا بها عليهم » ، فهو أنه لو كان المقتول واحداً لحلّ لي قتلهم كلهم ، فكيف وقد قتلوا من المسلمين عدّةً مثل عدّتهم التي دخلوا بها البصرة ! وما هاهنا زائدة .
وصدق عليه السلام ، فإنهم قتلوا من أوليائه وخُزّان بيت المال بالبَصْرة خلْقا كثيرا ؛ بعضهم غدرا وبعضهم صبرا ، كما خطب به عليه السلام .

۱۷۴

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامأَمِينُ وَحْيِهِ ، وَخَاتَمُ رُسُلِهِ ، وَبَشِيرُ رَحْمَتِهِ ، وَنَذِيرُ نِقْمَتِهِ .
أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللّهِ (فِيهِ) . فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ ، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ . وَلَعَمْرِي ، لَئِنْ كَانَتِ الإمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ ، فَمَا إِلَى ذلِكَ سَبِيلٌ ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا ، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ . أَلاَ وَإِنَّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ : رَجُلاً ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ ، وَآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ .

1.سوره المائدة ۳۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8425
صفحه از 712
پرینت  ارسال به