581
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الموهمة ۱ ... الخ .

الأصْلُ :

۰.منها في ذكر أصحاب الجمل :فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم كَمَا تُجَرُّ الْأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا ، مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ ، فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا ، وَأَبْرَزَا حَبِيسَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا ، فِي جَيْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَقَدْ أَعْطَانِي الطَّاعَةَ ، وَسَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ ، طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ ، فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا وَخُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا ، فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً ، وَطَائِفَةً غَدْراً .
فَوَاللّهِ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً مُعْتَمِدِينَ لِقَتْلِهِ ، بِلاَ جُرْمٍ جَرَّهُ ، لَحَلَّ لِي قَتْلُ ذلِكَ الْجَيْشِ كُلِّهِ ، إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا ، وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَلاَ بِيَدٍ . دَعْ مَا أ نّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ!

الشّرْحُ :

حُرْمة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كناية عن الزَّوجة ، وأصله الأهل والحُرَم ؛ وكذلك حَبيس رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كناية عنها . وقتلوهم صبراً ، أي بعد الأسر . وقوله : « فواللّه إنْ لو لم يصيبوا » إن هاهنا زائدة ، ويجوز أن تكون مخفّفة من الثقيلة .
ويُسأل عن قوله عليه السلام : « لو لم يصيبوا إلاّ رجلاً واحداً لحلّ لي قتل ذلك الجيش بأسره ؛ لأنهم حضروه فلم ينكروا » ، فيقال : أيجوز قتلُ من لم ينكِر المنكر مع تمكّنه من إنكاره ؟
والجواب ، أ نّه يجوز قتلُهم ؛ لأنّهم اعتقدوا ذلك القتل مباحاً ، فإنهم إذا اعتقدوا إباحته ،

1.الأمر الذي يريد أن يحيد عنه هو وأصحابه وهو النصّ على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، وعدم مخالفة بدعة عدالة الصحابة وولايتهم ؛ وإلاّ فإن النص قد أجمع عليه أهل البيت لا يختلفون فيه ، كما هو ثابت في كتب الفريقين . والتأويل إنّما يكون للظاهر لا للصريح الواضح .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
580

وروي : « فلما قَرَعته » بالتخفيف ، أي صدمته بها . وروي : « هبّ لا يدري ما يجيبني » ، كما تقول : استيقظ وانتبه ، كأنّه كان غافلاً ذاهلاً عن الحجة فهبّ لمّا ذكرتُها .
أستعديك : أطلب أن تُعْدِيَني عليهم وأنْ تنتصف لي منهم . قطعوا رحِمي : لم يرعَوْا قربه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . وصغّروا عظيم منزلتي : لم يقفوا مع النصوص الواردة فيه . وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ، أي بالأفضلية أنا أحقّ به منهم ؛ هكذا ينبغي أن يُتأوّل كلامه ۱ . وكذلك قوله : « إنما أطلب حقّا لي وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه » . قال : « ثم قالوا : ألاَ إنّ في الحقّ أن تأخُذَه ، وفي الحقّ أن تتركه » ، قال : لم يقتصروا على أخذِ حَقّي ساكتين عن الدَّعْوى ؛ ولكنّهم أخذوه وادّعوْا أنّ الحقّ لهم . وأنه يجبُ عليّ أن أترك المنازعة فيه ؛ فليتهم أخذوه معترفين بأنه حقِّي ، فكانت المصيبة به أخفّ وأهون .
واعلم أنه قد تواترت الأخبار عنه عليه السلام بنحوٍ من هذا القول ، نحو قوله : « ما زلتُ مظلوما منذ قبضَ اللّه رسولَه حتى يوم النّاس هذا » . وقوله : « اللهمّ أخزِ قريشا فإنها منعتْني حقّي وغصبتْني أمري » . وقوله : « فجزى قريشا عنّي الجوازِي ، فإنهم ظلموني حقّي ، واغتصبوني سلطان ابن أُمّي » . وقوله ، وقد سمع صارخا ينادي : أنا مظلوم ، فقال : «هلمّ فلنصرُخْ معاً ، فإني ما زلتُ مظلوما » . وقوله : « وإنه ليعلم أنّ محلِّي منها محلّ القطب من الرحى » . وقوله : « أرى تراثي نهباً » . وقوله : « أصغيا بإنائنا ، وحَملا الناس على رقابنا » . وقوله : « إنّ لنا حقاً إن نُعْطَة نأخذه ، وإن نمنَعه نركب أعجاز الإبل ؛ وإن طال السُّرَى » . وقوله : « ما زلت مستَأْثَرا عليّ ، مدفوعا عمّا أستحقه وأستوجبه » .
وأصحابنا يحملون ذلك كلّه على ادّعائه الأمر بالأفضليَّة والأحقيَّة ؛ وهو الحقّ والصواب ؛ فإنَّ حمله على الاستحقاق بالنصّ تكفيرٌ أو تفسيق لوجوه المهاجرين والأنصار ؛ ولكنّ الإماميَّة والزيديّة حملوا هذه الأقوال على ظواهرها ، وارتكبوا بها مركباً صعباً . ولعمري إنّ هذه الألفاظ موهمة مغلّبة على الظنّ ما يقوله القوم ؛ ولكن تصفّح الأحوال يبطل ذلك الظنّ ، ويدرأ ذلك الوهم ، فوجب أن يجري مجرى الآيات المتشابهات

1.إن كلام الإمام عليه السلام صريح في أنه يطلب حقاً له منصوصاً عليه ، وليس كما تأوّله الشارح أ نّه بالأفضلية مجاراة لمذهب أصحابه .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8537
صفحه از 712
پرینت  ارسال به