موضع استقرارهم وسكونهم . ومدَرجا للهوامّ ، أي موضع دُروجهم وسيرهم وحَركاتهم . والهوامّ : الحشرات والمخوف من الأحناش . وما لا يحصى ، أي لا يضبط بالإحصاء والعدّ ؛ مما نراه ونعرفه وما لا نراه ولا نعرفه . وقال بعض العلماء : إن أردت أن تعرف حقيقة قوله : « مما يُرى وما لا يُرى » فأوقد نارا صغيرة في فلاةٍ في ليلة صيفيّة ، وانظر ما يجتمع عليها من الأنواع الغريبة العجيبة الخلْق ؛ التي لم تشاهدها أنت ولا غيرك قطّ .
قوله : « وللخلق اعتمادا » ؛ لأنهم يجعلونها كالمساكن لهم ، فينتفعون بها ويبنون منازل إلى جانبها ، فيقوم مقام جدار قد استغنوْا عن بنيانه ؛ ولأنها أُمّهات العيون ومنابع المياه باعتماد الخلْق على مرافقهم ومنافعهم ومصالحهم عليها . قوله : « وسدِّدنا للحق » ، أي صوبنا إليه ، من قولك : « سهم سديد » ، أي مصيب ، وسدد السنان إلى القَرْن ، أي صوّبه نحوه .
والذّمار : ما يحامى عنه . والغائر : ذو الغَيْرة . ونزول الحقائق : نزول الأُمور الشديدة كالحرب ونحوها . ثم قال : « العار وراءكم » ، أي إن رجعتم القهقرى هاربين . والجنة أمامكم ، أي إن أقدمتم على العدو مجاهدين . وهذا الكلام شريف جدا .
۱۷۳
الأصْلُ :
۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّه الَّذِي لاَ تُوَارِي عَنْهُ سَمَاءٌ سَمَاءً ، وَلاَ أَرْضٌ أَرْضاً .
الشّرْحُ :
قوله عليه السلام : « لا توارِي عنه سماءٌ سماءً » ، فلقائل أن يقول : ولا يتوارَى شيء من السماوات عن المدركين منا ؛ لأنها شفافة ، فأي خصيصة للباري تعالى في ذلك ؟ فينبغي أن يقال هذا الكلام على قاعدةٍ غير القاعدة الفلسفية ، بل هو على قاعدة الشريعة الإسلاميّة التي تقتضي أنّ السَّماوات تحجب ما وراءها عن المدرِكين بالحاسّة ؛ وأنها ليست طباقا متراصّة ، بل