579
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

بينها خلْق من خلق اللّه تعالى لا يعلمهم غيره . واتّباعُ هذا القول واعتقاده أولى .

الأصْلُ :

۰.منها :وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ : إِنَّكَ عَلَى هذَا الْأَمْرِ يَابْنَ أَبي طَالِبٍ لَحَرِيصٌ ؛ فَقُلْتُ : بَلْ أَنْتُمْ وَاللّهِ لَأَحْرَصُ وَأَبْعَدُ ، وَأَنَا أَخَصُّ وَأَقْرَبُ ، وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَتَضْرِبُونَ وَجْهِي دُونَهُ . فَلَمَّا قَرَعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِي الْمَلاَءِ الْحَاضِرِينَ هَبَّ كَأَنَّهُ بُهِتَ لاَ يَدْرِي مَا يُجِيبُنِي بِهِ!
اللَّهُمَّ إِنَّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَمَنْ أَعَانَهُمْ ! فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي ، وَصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِي ، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي . ثُمَّ قَالُوا : أَلاَ إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ ، وَفِي الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ .

الشّرْحُ :

هذا من خطبة يذكر فيها عليه السلام ما جَرى يوم الشورى بعد مقتَل عمر . والذي قال له : « إنك على هذا الأمر لحريص » سَعْد بن أبي وقاص ، مع روايته فيه : « أنت مِنِّي بمنزلة هارون من موسى » ، وهذا عجب ؛ فقال لهم : بل أنتم واللّه أحرصُ وأبعد ... الكلام المذكور . وقد رواه الناس كافة .
وقالت الإماميّة : هذا الكلام يوم السقيفة ، والذي قال له : إنَّك على هذا الأمر لحريص ، أبو عبيدة بن الجراح ؛ والرواية الأُولى أظهر وأشهر ۱ .

1.نسب إلى الإمامية أن القائل هو أبو عبيدة وأنه يوم السقيفة ! وقد روى محمد بن يعقوب الكليني في رسائله ومحمد بن جرير الطبري في مسترشده وهما من قدماء الإمامية : أ نّه عليه السلام قاله يوم الشورى ، والقائل للإمام عليه السلام كان عبد الرحمن بن عوف لا أبو عبيدة . وأيّا كان القائل ، فكلامه عليه السلام يوم الشورى يتضمّن بطلان أمر السقيفة ، وأنها الأساس في دفعه عن حقّه ، والإمام عليه السلام قد أجاب هذا القائل بأنّ الخلافة حقّ لي ، ولا يعاب المرء بالحرص على حقّه ، وإنما يعاب إذا أخذ ما ليس له ، كما فعل أصحاب السقيفة . ثم أي فرق بين أصحاب الشورى وأصحاب السقيفة ، الجميع صحابة ، فلا وجه للتفريق بينهما .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
578

موضع استقرارهم وسكونهم . ومدَرجا للهوامّ ، أي موضع دُروجهم وسيرهم وحَركاتهم . والهوامّ : الحشرات والمخوف من الأحناش . وما لا يحصى ، أي لا يضبط بالإحصاء والعدّ ؛ مما نراه ونعرفه وما لا نراه ولا نعرفه . وقال بعض العلماء : إن أردت أن تعرف حقيقة قوله : « مما يُرى وما لا يُرى » فأوقد نارا صغيرة في فلاةٍ في ليلة صيفيّة ، وانظر ما يجتمع عليها من الأنواع الغريبة العجيبة الخلْق ؛ التي لم تشاهدها أنت ولا غيرك قطّ .
قوله : « وللخلق اعتمادا » ؛ لأنهم يجعلونها كالمساكن لهم ، فينتفعون بها ويبنون منازل إلى جانبها ، فيقوم مقام جدار قد استغنوْا عن بنيانه ؛ ولأنها أُمّهات العيون ومنابع المياه باعتماد الخلْق على مرافقهم ومنافعهم ومصالحهم عليها . قوله : « وسدِّدنا للحق » ، أي صوبنا إليه ، من قولك : « سهم سديد » ، أي مصيب ، وسدد السنان إلى القَرْن ، أي صوّبه نحوه .
والذّمار : ما يحامى عنه . والغائر : ذو الغَيْرة . ونزول الحقائق : نزول الأُمور الشديدة كالحرب ونحوها . ثم قال : « العار وراءكم » ، أي إن رجعتم القهقرى هاربين . والجنة أمامكم ، أي إن أقدمتم على العدو مجاهدين . وهذا الكلام شريف جدا .

۱۷۳

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّه الَّذِي لاَ تُوَارِي عَنْهُ سَمَاءٌ سَمَاءً ، وَلاَ أَرْضٌ أَرْضاً .

الشّرْحُ :

قوله عليه السلام : « لا توارِي عنه سماءٌ سماءً » ، فلقائل أن يقول : ولا يتوارَى شيء من السماوات عن المدركين منا ؛ لأنها شفافة ، فأي خصيصة للباري تعالى في ذلك ؟ فينبغي أن يقال هذا الكلام على قاعدةٍ غير القاعدة الفلسفية ، بل هو على قاعدة الشريعة الإسلاميّة التي تقتضي أنّ السَّماوات تحجب ما وراءها عن المدرِكين بالحاسّة ؛ وأنها ليست طباقا متراصّة ، بل

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8433
صفحه از 712
پرینت  ارسال به