وَاصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا .
الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ ! أَدُّوهَا إِلَى اللّهِ تُؤدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ .إِنَّ اللّهَ حَرَّمَ حَرَاماً غَيْرَ مَجْهُولٍ ، وَأَحَلَّ حَلاَلاً غَيْرَ مَدْخُولٍ ، وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا ، وَشَدَّ بِالاْءِخْلاَص وَالتَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا ، فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَلاَ يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلاَّ بَمَا يَجِبُ .
بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ وَخَاصَّةَ أَحِدِكُمْ وَهُوَ الْمَوْتُ ، فَإنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ ، وَإِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ . تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا ، فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ .
اتَّقُوا اللّهَ فِي عِبَادِهِ وَبِلاَدِهِ ، فَإِنَّكُمْ مَسْؤولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ . أَطِيعُوا اللّهَ وَلاَ تَعْصُوهُ ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ ، وَإِذَا رَأيْتُمْ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهِ .
الشّرْحُ :
واصدِفوا عن سَمْت الشر ، أي أعرِضوا عن طريقه . تَقْصِدوا ، أي تعدلوا ، والقصْد : العدل . ثم أمَر بلزوم الفرائض من العبادات والمحافظة عليها ؛ كالصّلاة والزّكاة ؛ وانتصب ذلك على الإغراء . ثم ذكر أنّ الحرام غير مجهول للمكلّف بل معلوم ، والحلال غير مدخول ، أي لا عيب ولا نقص فيه ؛ وأنّ حرمة المسلم أفضلُ من جميع الحرُمات . وهذا لفظ الخبر النبويّ : « حُرْمة المسلم فوق كلّ حُرْمة ، دمه وعرضه وماله » .
قال عليه السلام : « وشد بالإخلاص والتوحيد حقوقَ المسلمين فيمعاقدها » ؛ لأنّ الإخلاص والتوحيد داعيان إلى المحافظة على حقوق المسلمين صارفان عن انتهاك محارمهم . قال : « فالمسلم مَنْ سلِم [المسلمون] » ؛ هذا لفظ الخبر النبويّ بعينه . قوله : « ولا يحلّ أذى المسلم إلاّ بما يجب » ، أي إلاّ بحقّ ؛ وهو الكلام الأوّل ، وإنما أعاده تأكيداً .
ثم أمر بمبادرة الموت ، وسمّـاه الواقعة العامة ؛ لأ نّه يعمّ الحيوان كلّه ، ثم سمّـاه خاصّة أحدكم ؛ لأ نّه وإن كان عاما إلاّ أنّ له مع كلّ إنسان بعينه خصوصيّة زائدة على ذلك العموم . قوله : « فإنّ الناس أمامكم » ، أي قد سبقوكم . والساعة تسوقُكم من خَلْفكم . ثم أمر بالتخفّف ، وهو القَنَاعة من الدنيا باليسير ، وترك الحرص عليها ، فإنّ المسافر الخفيف أحرى بالنجاة ولحاق أصحابه وبلوغ المنزل من الثقيل .