571
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

وَاصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا .
الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ ! أَدُّوهَا إِلَى اللّهِ تُؤدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ .إِنَّ اللّهَ حَرَّمَ حَرَاماً غَيْرَ مَجْهُولٍ ، وَأَحَلَّ حَلاَلاً غَيْرَ مَدْخُولٍ ، وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا ، وَشَدَّ بِالاْءِخْلاَص وَالتَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا ، فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَلاَ يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلاَّ بَمَا يَجِبُ .
بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ وَخَاصَّةَ أَحِدِكُمْ وَهُوَ الْمَوْتُ ، فَإنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ ، وَإِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ . تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا ، فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ .
اتَّقُوا اللّهَ فِي عِبَادِهِ وَبِلاَدِهِ ، فَإِنَّكُمْ مَسْؤولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ . أَطِيعُوا اللّهَ وَلاَ تَعْصُوهُ ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ ، وَإِذَا رَأيْتُمْ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهِ .

الشّرْحُ :

واصدِفوا عن سَمْت الشر ، أي أعرِضوا عن طريقه . تَقْصِدوا ، أي تعدلوا ، والقصْد : العدل . ثم أمَر بلزوم الفرائض من العبادات والمحافظة عليها ؛ كالصّلاة والزّكاة ؛ وانتصب ذلك على الإغراء . ثم ذكر أنّ الحرام غير مجهول للمكلّف بل معلوم ، والحلال غير مدخول ، أي لا عيب ولا نقص فيه ؛ وأنّ حرمة المسلم أفضلُ من جميع الحرُمات . وهذا لفظ الخبر النبويّ : « حُرْمة المسلم فوق كلّ حُرْمة ، دمه وعرضه وماله » .
قال عليه السلام : « وشد بالإخلاص والتوحيد حقوقَ المسلمين فيمعاقدها » ؛ لأنّ الإخلاص والتوحيد داعيان إلى المحافظة على حقوق المسلمين صارفان عن انتهاك محارمهم . قال : « فالمسلم مَنْ سلِم [المسلمون] » ؛ هذا لفظ الخبر النبويّ بعينه . قوله : « ولا يحلّ أذى المسلم إلاّ بما يجب » ، أي إلاّ بحقّ ؛ وهو الكلام الأوّل ، وإنما أعاده تأكيداً .
ثم أمر بمبادرة الموت ، وسمّـاه الواقعة العامة ؛ لأ نّه يعمّ الحيوان كلّه ، ثم سمّـاه خاصّة أحدكم ؛ لأ نّه وإن كان عاما إلاّ أنّ له مع كلّ إنسان بعينه خصوصيّة زائدة على ذلك العموم . قوله : « فإنّ الناس أمامكم » ، أي قد سبقوكم . والساعة تسوقُكم من خَلْفكم . ثم أمر بالتخفّف ، وهو القَنَاعة من الدنيا باليسير ، وترك الحرص عليها ، فإنّ المسافر الخفيف أحرى بالنجاة ولحاق أصحابه وبلوغ المنزل من الثقيل .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
570

لم تسلم عليه قارة ؛ وهي الجَبيل الصغير . ولم تَثْبُتْ له أكمة ، وهي التَّلْعَة من الأرض . ولم يردّ سَنَنه ، أي طريقه . طَوْد مرصوص ، أي جَبَل شديد التصاق الأجزاء بعضِها ببعض . ولا حِدَاب أرْض : جمع حَدَبة وهي الرّوابي والنِّجاد .
ثم قال : « يذعذعهم اللّه ؛ الذّعذعة بالذال المعجمة مرتين : التّفريق ، وذعذعة الشرّ : إذاعته . ثم يسلكُهم ينابيع في الأرض ، من ألفاظ القرآن ۱ ، والمراد أنه كما أنّ اللّه تعالى ينزّل من السّماء ماء فيستكنّ في أعماق الأرض ، ثم يظهر منها ينابيع إلى ظاهرها ، كذلك هؤلاء القوم ، يفرّقهم اللّه تعالَى في بطون الأودية وغوامض الأغوار ، ثم يظهرُهم بعد الاختفاء فيأخذ بهم من قومٍ حقوقَ آخرين ، ويمكّن منهم قوماً من ملك قوم وديارهم .
ثم أقسم ليذُوبَنَّ ما في أيدِي بني أميّة بعد علوّهم وتمكينهم ، كما تذوب الألْيَة على النار ؛ وهمزة « الألْيَة » مفتوحة ، وجمعها أَليات ، بالتحريك والتثنية أَلَيَان بغير تاء . ثم قال : لولا تخاذلكم لم يطمع فيكم مَن هو دونكم . وتِهنُوا ، مضارع وَهَن ، أي ضعف ، وهو من ألفاظ القرآن ۲ أيضا . وتِهْتُم مَتَاه بني إسرائيل : حِرْتم وضَللتم الطريق .
ثم قال عليه السلام : « لَيُضَعَّفَنّ لكم التّيه من بعدي » . يعني الضلال ، يضعّفه لكم الشيطان وأنفسكم بما خَلّفتم الحق وراء ظهوركم ، أي لأجل ترككم الحق . وقطعكم الأدنى ـ يعني نفسه ـ ووصلكم الأبعد ـ يعني معاوية ـ ويروى : « إن اتبعتم الراعي لكم » ، بالراء . والاعتساف : سلوك غير الطريق . والفادح : الثّقَل ، فدحَه الدين : أثقله .

۱۶۸

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام في أول خلافتهإِنَّ اللّهَ تعالى أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً بَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرَ وَالْشَّرَّ ؛ فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ تَهْتَدُوا ،

1.وهو قوله تعالى في سورة الزمر ۲۱ : « ألَمْ تَرَ أَنَّ اللّه َ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ » .

2.وهو قوله تعالى في سورة آل عمران ۱۳۹ : « وَلاَتَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُم الأَعْلَوْنَ » .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8393
صفحه از 712
پرینت  ارسال به