الأصْلُ :
۰.منها :أَيُّهَا الْمَـخْلُوقُ السَّوِيُّ ، وَالْمُنْشَأُ الْمَرْعِيُّ ، فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ ، وَمُضَاعَفَاتِ الْأَسْتَارِ . بُدِئْتَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ، وَوُضِعْتَ فِي قَرَارٍ مَكِينِ ، إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ ، وَأَجَل مَقْسُومٍ . تَمُورُ فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لاَ تُحِيرُ دُعَاءً ، وَلاَ تَسْمَعُ نِدَاءً . ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا ، وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا . فَمَنْ هَدَاكَ لاِجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ ؟ وَعَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَإِرَادَتِكَ ؟! هَيْهَاتَ ، إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَالْأَدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ ، وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ المخْلُوقِينَ أَبْعَدُ!
الشّرْحُ :
السّويّ : المستوى الخلقة غير ناقص ، قال سبحانه : « فَتَمثَّلَ لَهَا بَشَرا سَوِيّا » ۱ . والمُنشَأ ، مفعول من « أنشأ » أي خُلِق وأُوجِد . والمرعيّ : المحوط المحفوظ . وظلمات الأرحام ، ومضاعفات الأستار : مستقرّ النُّطَف ، والرَّحِم .
قوله : « بُدِئت من سُلاَلة من طين » ، أي كان ابتداء خلْقك من سُلالة ؛ وهي خلاصة الطين ؛ لأنّها سُلَّت من بيْن الكَدَر ، و « فُعَالة » بناء للقلّة ، كالقُلامة والقُمامة . ثم قال : « ووضعتَ في قرار مكين » ، الكلام الأوّل لآدم الذي هو أصلُ البشر ، والثاني لذريّته ، والقرار المكين : الرَّحِم متمكّنة في موضعها برباطاتها ؛ لأنّها لو كانت متحرّكة لتعذّر العُلُوق . ثم قال : « إلى قَدَر معلوم ، وأجَلٍ مقسوم » ، إلى : متعلّقة بمحذوف ، كأنّه قال : « منهيّا إلى قَدَرٍ معلوم » ، أي مقدَّرا طوله وشكله إلى أجلٍ مقسوم مدّة حياته . ثم قال : « تمور في بطْنِ أُمّك » ، أي تتحرّك . لا تُحيِر ، أي لا ترجع جواباً ، أحار يُحير . إلى دار لم تشهدها ، يعني الدنيا ، ويقال : أشبه شيء بحال الانتقال من الدنيا إلى الأحوال التي بعد الموت ؛ انتقالُ الجنين من ظلمة الرَّحِم إلى فضاء الدنيا ؛ وهكذا حالنا في الدنيا إذا شاهدنا ما بعد الموت .