لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ ، وَلاَ لِأَزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَزَلْ ، وَالْبَاقِي بِـلاَ أَجَلٍ . خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ ، وَوَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ . حَدَّ الْأَشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا . لاَ تُقَدِّرُهُ الْأَوْهَامُ بِالْحُدُودِ وَالْحَرَكَاتِ ، وَلاَ بِالْجَوَارِحِ وَالْأَدَوَاتِ . لاَ يُقَالُ لَهُ «مَتَى ؟» وَلاَ يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ «بِحَتَّى» .الظَّاهِرُ لاَ يُقَالُ : «مِمَّ ؟» ، وَالْبَاطِنُ لاَ يُقَالُ : «فِيمَ ؟» .
لاَ شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى ، وَلاَ مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى . لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْتِصَاقٍ ، وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ ، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ ، وَلاَ كُرُورُ لَفْظَةٍ ، وَلاَ ازْدِلاَفُ رَبْوَةٍ ، وَلاَ انْبِسَاطُ خَطْوَةٍ ، فِي لَيْلٍ دَاجٍ ، وَلاَ غَسَقٍ سَاجٍ ، يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ ، وَتَعْقَّبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الْأُفُولِ وَالْكُرُورِ ، وَتَقَلُّبِ الْأَزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ ، مِنْ إِقْبَالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ ، وَإِدبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ .
قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ وَمُدَّةٍ ، وَكُلِّ إِحْصَاءٍ وَعِدَّةٍ ، تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ الْمُحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الْأَقْدَارِ ، وَنِهَايَاتِ الْأَقْطَارِ ، وَتَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ ، وَتَمَكُّنِ الْأَمَاكِنِ . فَالحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ ، وَإِلَى غَيْرهِ مَنْسُوبٌ .
لَمْ يَخْلُقِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِيَّةٍ ، وَلاَ مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّةٍ ، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ ، وَصَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ . لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ ، وَلاَ لَهُ بِطَاعَةِ شَيْءٍ انْتِفَاعٌ .عِلْمُهُ بِالأَمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِهِ بِالْأَحْيَاءِ الْبَاقِينَ ، وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السمَاوَاتِ الْعُلَى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى.
الشّرْحُ :
المهاد هنا : هو الأرض ؛ وأصله الفراش ، وساطحه : باسطه ؛ ومنه تسطيح القبور خلاف تَسْنِيمها ، ومنه أيضا المِسْطَح ؛ للموضع الذي يبسَط فيه التَّـمر ليجفّف . والوِهاد : جمع وَهْدة ؛ وهي المكان المطمئن . ومسيلها : مجرى السَيْل فيها . والنّجاد : جمع نَجْد ، وهوما ارتفع من الأرض . ومخصبها : مروّضها وجاعلها ذوات خِصْب .
واعلم أ نّه عليه السلام أورَدَ في هذه الخطبة ضروبا من علم التوحيد ، وكلها مبنيّة على ثلاثة