553
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ ، وَلاَ لِأَزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَزَلْ ، وَالْبَاقِي بِـلاَ أَجَلٍ . خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ ، وَوَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ . حَدَّ الْأَشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا . لاَ تُقَدِّرُهُ الْأَوْهَامُ بِالْحُدُودِ وَالْحَرَكَاتِ ، وَلاَ بِالْجَوَارِحِ وَالْأَدَوَاتِ . لاَ يُقَالُ لَهُ «مَتَى ؟» وَلاَ يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ «بِحَتَّى» .الظَّاهِرُ لاَ يُقَالُ : «مِمَّ ؟» ، وَالْبَاطِنُ لاَ يُقَالُ : «فِيمَ ؟» .
لاَ شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى ، وَلاَ مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى . لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْتِصَاقٍ ، وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ ، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ ، وَلاَ كُرُورُ لَفْظَةٍ ، وَلاَ ازْدِلاَفُ رَبْوَةٍ ، وَلاَ انْبِسَاطُ خَطْوَةٍ ، فِي لَيْلٍ دَاجٍ ، وَلاَ غَسَقٍ سَاجٍ ، يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ ، وَتَعْقَّبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الْأُفُولِ وَالْكُرُورِ ، وَتَقَلُّبِ الْأَزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ ، مِنْ إِقْبَالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ ، وَإِدبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ .
قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ وَمُدَّةٍ ، وَكُلِّ إِحْصَاءٍ وَعِدَّةٍ ، تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ الْمُحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الْأَقْدَارِ ، وَنِهَايَاتِ الْأَقْطَارِ ، وَتَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ ، وَتَمَكُّنِ الْأَمَاكِنِ . فَالحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ ، وَإِلَى غَيْرهِ مَنْسُوبٌ .
لَمْ يَخْلُقِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِيَّةٍ ، وَلاَ مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّةٍ ، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ ، وَصَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ . لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ ، وَلاَ لَهُ بِطَاعَةِ شَيْءٍ انْتِفَاعٌ .عِلْمُهُ بِالأَمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِهِ بِالْأَحْيَاءِ الْبَاقِينَ ، وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السمَاوَاتِ الْعُلَى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى.

الشّرْحُ :

المهاد هنا : هو الأرض ؛ وأصله الفراش ، وساطحه : باسطه ؛ ومنه تسطيح القبور خلاف تَسْنِيمها ، ومنه أيضا المِسْطَح ؛ للموضع الذي يبسَط فيه التَّـمر ليجفّف . والوِهاد : جمع وَهْدة ؛ وهي المكان المطمئن . ومسيلها : مجرى السَيْل فيها . والنّجاد : جمع نَجْد ، وهوما ارتفع من الأرض . ومخصبها : مروّضها وجاعلها ذوات خِصْب .
واعلم أ نّه عليه السلام أورَدَ في هذه الخطبة ضروبا من علم التوحيد ، وكلها مبنيّة على ثلاثة


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
552

فقال : يوم السقيفة .
فقلت : إنّ نفسي لا تسامحني أن أنسُب إلى الصحابة عصيان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ودفع النص .
فقال : وأنا فلا تسامحني أيضا نفسي أن أنسب الرسول صلى الله عليه و آله وسلم إلى إهمال أمر الإمامة ، وأنْ يُتركَ النّاس فوضى سُدىً مهمَلين ؛ وقد كان لا يغيبُ عن المدينة إلاّ ويؤمِّر عليها أميرا وهو حيّ ليس بالبعيد عنها ، فكيف لا يؤمِّر وهو ميّت لا يقدر على استدراك ما يحدُث!
ثم قال : ليس يشكّ أحدٌ من الناس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كان عاقلاً كامل العقل ، وهذا الرّجل العاقل الكامل يعرفُ طباع العرب وغرائزهم وطلبَهم بالثّارات والذُّحول ؛ ولو بعد الأزمان المتطاولة . فكيف يتوهّم لبيب أنّ هذا العاقل الكامل وَتَر العرب ، وعلى الخصوص قريشا ، وساعدَهُ على سَفْك الدماء وإزهاق الأنفس وتقلّد الضغائن ابنُ عمِّه الأدنى وصهرهُ ، وهو يعلم أ نّه سيموت كما يموت الناس ، ويتركه بعدَه وعنده ابنته ، وله منها ابنان يجريان عندَه مَجْرَى ابنيْن من ظَهْره حُنوّا عليهما ، ومحبّة لهما ، ويعدل عنه في الأمر بعده ، ولا ينصّ عليه ولا يستخلفه ، فيحقِنُ دمه ودم بنيه وأهله باستخلافه ! ألا يعلمُ هذا العاقل الكامل ؛ أ نّه إذا تركه وترك بنيه وأهلَه سُوقَةً ورعيّة ، فقد عرَّض دماءهم للإراقة بعده ، بل يكونُ هو عليه السلام هو الذي قتله ، وأشاط بدمائهم ؛ لأنّهم لا يعتصمون بعده بأمر يحميهم ؛ وإنّما يكونون مضغةً للآكل ، وفريسةً للمفترِس ، يتخطّفهم الناس ، وتبلُغ فيهم الأغراض . فأمّا إذا جَعَل السلطان فيهم ، والأمر إليهم ؛ فإنّه يكون قد عَصَمهم وحَقَن دماءهم بالرّياسة التي يَصُولون بها ، ويرتدع النّاس عنهم لأجلها . ومثل هذا معلوم بالتجرِبة ... الخ ، وقد أوردناه باختصار .

۱۶۴

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّه خَالِقِ الْعِبَادِ ، وَسَاطِحِ الْمِهَادِ ، وَمُسِيلِ الْوِهَادِ ، وَمُخْصِبِ النِّجَادِ . لَيْسَ

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8450
صفحه از 712
پرینت  ارسال به