551
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

لا أهلمّه ، أي لا أعطيكه ، يأتي بالهاء ضمير المفعول ليتميّز من الأُولى . يقو عليه السلام : ولكن هات ذكر الخطب ، فحذف المضاف . والخطْب : الحادث الجليل ؛ يعني الأحوال التي أدّت إلى أن صار معاوية منازعا في الرياسة ، قائما عند كثير من النّاس مقامه ، صالحاً لأنْ يقع في مقابلته ، وأن يكون ندّا له .
ثم قال : « فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه » ، يشير إلى ما كان عنده من الكآبة لتقدّم مَنْ سلف عليه ؛ فلم يقنع الدّهر له بذلك ، حتى جعل معاوية نظيرا له ؛ فضحك عليه السلام مما تحكُم به الأوقات ، ويقتضيه تصرّف الدّهر وتقلّبه ؛ وذلك ضَحِك تعجُّب واعتبار .
ثم قال : « ولا غَرْوَ واللّه » ، أي ولا عَجَب واللّه . ثم فسَّرَ ذلك فقال : يا له خطباً يستفرغُ العجب ! أي يستنفده ويفنيه ، يقول : قد صار العجبُ لا عجبَ ؛ لأنّ هذا الخَطْب استغرق التعجّبَ ؛ فلم يبق منه ما يطلَق عليه لفظ التعجُّب ؛ وهذا من باب الإغراق والمبالغة في المبالغة . والأوَد : العوَج . ثم ذكر تمالؤ قريش عليه ، فقال : حاول القوْمُ إطفاء نور اللّه من مصباحه ، يعني ما تقدّم من منابذة طَلْحة والزبير وأصحابهما له ، وما شفع ذلك من معاوية وعمرو وشيعتهما . وفوّار اليَنْبوع : ثقب البئر . قوله : « وجدحوا بيني وبينهم شِرْباً » ، أي خلطوه ومزجوه وأفسدوه . والوِبئ : ذو الوباء والمرض ؛ وهذا استعارة كأنّه جعل الحال التي كانت بينه وبينهم قد أفسدها القوم ، وجعلوها مَظِنّة الوباء والسَّقَم ، كالشرب الذي يخلط بالسمّ أو بالصَّبرِ فيفسد ويَوْبأ .
ثم قال : فإن كشف اللّه تعالى هذه المحنَ التي يحصل منها ابتلاء الصابرين والمجاهدين ، وحصل لي التمكّن من الأمر ، حملتُهم على الحقّ المحض الذي لا يمازجُه باطل ، كاللبن المحْضِ الذي لا يخالطه شيء من الماء ، وإن تكُن الأُخرى ، أي وإنْ لم يكشف اللّه تعالى هذه الغمّة ومتّ أو قتلت ـ والأُمور على ما هي عليه من الفتنة ودولة الضلال ـ فلا تذهب نفسُك عليهم حسرات ؛ والآية من القرآن العزيز .
قال ابن أبي الحديد : وسألت أبا جعفر يحيى بن محمد العلويّ نقيب البصرة ، وقت قراءتي عليه ، عن هذا الكلام ، وكان ؛ على ما يذهب إليه من مذهب العَلَويّة منصفا وافر العقل ، فقلت له : مَنْ يعني عليه السلام بقوله : « كانت أثَرةً شحَّت عليها نفوس قوم ، وسَخَت عنها نفوس آخرين » ؟ ومَن القومُ الّذين عناهم الأسديّ بقوله : « كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به » ؟ هل المراد يوم السقيفة أو يوم الشورى؟


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
550

إليهم ۱ ، فالأولى أن يحمَل على ما ظهر عنه من تألّمه مِنْ عبد الرحمن بن عوف وميله إلى عثمان .
ثم قال : إنّ الحكمَ هو اللّه ، وإنّ الوقت الذي يعود النّاس كلّهم إليه هو يوم القيامة . وروي : « يومَ » بالنّصب على أنه ظرف والعامل فيه « المَعْوَد » ، على أن يكون مصدرا .
وأما البيتُ فهو لامرئ القيس بن حُجْر الكنديّ ، وروِي أنّ أميرَ المؤمنين عليه السلام لم يستشهد إلاّ بصدرِه فقطْ وأتمّه الرواة .
والنَّهب : الغنيمة ، والجمع النّهاب ، والانتهاب مصدر انتهبتُ المال ، إذا أبحتَه يأخذه من شاء ، والنَّهبى : اسم ما أنهب . وحَجَراته : نواحيه ، الواحدة حَجْرة ، مثل جَمَرات وجَمْرة . وصيح في حجَراته صياح الغارة . والرّواحل : جمع راحلة ، وهي الناقة التي تصلح أن تُرْحَل ، أيْ يشدّ الرَّحْل على ظهرها ، ويقال للبعير : راحلة . وانتصب « حديثا » بإضمار فعل ، أي هات حديثا أو حدِّثني حديثا . ويروى : « ولكن حديثٌ » ، أي ولكن مرادي أو غرضي حديث ، فحذف المبتدأ . فأمّا « حديث » الثاني فقد ينصب وقد يرفع ، فمن نصب أبدله من « حديث » الأوّل ، ومَنْ رفع جاز أن يجعل « ما » موصولة بمعنى « الذي » ، وصلتها الجملة ، أي الذي هو حديث الرواحل ، ثمّ حذف صدر الجملة كما حذف في « تَمَاما عَلَى الَّذِي أحْسَنَ » ۲ ، ويجوز أن تجعل « ما » استفهامية بمعنى « أيّ » .
ثم قال : « وهلمّ الخطب » ، هذا يقوِّي رواية مَنْ روى عنه أ نّه عليه السلام لم يستشهد إلاّ بصدر البيت ، كأنَّه قال : دع عنك ما مضى وهلمّ ما نحن الآن فيه من أمرِ معاوية ، فجعل « هلُمّ » ما نحن فيه من أمر معاوية قائما مقام قول امرئ القيس :
* ولكِنْ حديثا ما حدِيثُ الرَّواحِلِ *
وهلمّ ، لفظ يستعمل لازماً ومتعدّيا ، فاللازم بمعنى « تعالَ » ، [وأمّا] المتعدية فهي بمعنى « هات » ، تقول : هلُمّ كذا وكذا ، قال اللّه تعالى : « هلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ » ۳ ، وتَقول لمن قال لك ذلك ،

1.أقول : وليس في الخبر كذلك ما يصرفه عنهم ، فلِمَ الدفاع عن أهل السقيفة ؟ وفعل أهل السقيفة أصل وأساس فعل أهل الشورى ، والدافع له واحد أيضا ، ولولا يوم السقيفة لم يوجد يوم الشورى ، وأكثر أبطال الشورى من رجال السقيفة .

2.سورة الأنعام ۱۵۴ .

3.سورة الأنعام ۱۵۰ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8683
صفحه از 712
پرینت  ارسال به