525
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الْغَايَةِ الْقُصْوَى .

الشّرْحُ :

هو الآن في ذكر الإيمان ، وعنه قال : « سبيل أبلج المنهاج » ، أي واضح الطريق . ثم قال « فبالإيمان يستدلّ على الصالحات » ، يريد بالإيمان هاهنا مسمّـاه اللغويّ لا الشرعيّ ؛ لأنّ الإيمان في اللغة هو التصديق ، قال سبحانه : « وَمَا أَنْتَ بمُؤمِنٍ لَنَا » ۱ ، أي بمصدّق ، والمعنى أنّ من حَصَل عنده التَّصديق ، بالوحدانية والرسالة ؛ وهما كلمتا الشهادة ، استدلّ بهما على وجوب الأعمال الصالحة عليه أو ندبه إليها ؛ لأنّ المسلم يعلم من دين نبيه صلى الله عليه و آله وسلمأ نّه أوجب عليه أعمالاً صالحة ، وندبه إلى أعمال صالحة ؛ فقد ثبت أنّ بالإيمان يستدلّ على الصالحات . ثم قال : « وبالصالحات يستدلّ على الإيمان » ، فالإيمان هاهنا مستعمل في مسمّـاه الشرعيّ لا في مسمّـاه اللغويّ ، ومسمّـاه الشرعيّ هو العقد بالقلب ؛ والقول باللسان ، والعمل بالجوارح ، فلا يكون المؤمن مؤمناً حتى يستكمل فعل كلّ واجب ، ويجتنب كلّ قبيح ؛ ولا شبهة أنّا مَتَى علمنا أو ظننّا من مكلّفٍ أنه يفعل الأفعال الصالحة ، ويجتنب الأفعال القبيحة ؛ استدللنا بذلك على حسن إطلاق لفظ المؤمن عليه ، وبهذا التفسير الذي فَسّرناه نسلم من إشكال الدَّوْر .
ثم قال عليه السلام : « وبالإيمان يعمر العلم » ؛ وذلك لأنّ العالم وهو غير عامل بعلمه ، غير منتفع بما علِم ، بل مستضرّ به غاية الضرر ؛ فكأنّ علمه خراب غير معمور ؛ وإنّما يعمر بالإيمان وهو فعل الواجب وتجنّب القبيح على مذهبنا ، أو الاعتقاد والمعرفة على مذهب غيرِنا أو القول اللسانيّ على قول آخرين ؛ ومذهبنا أرجح ؛ لأنّ عمارة العلم إنّما تكون بالعمل من الأعضاء والجوارح ؛ وبدون ذلك يبقى العلم على خرابه كما كان .
ثم قال : « وبالعلم يُرهب الموت » ، هذا من قول اللّه تعالى : « إنّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ » ۲ . ثم قال : « وبالموت تختم الدنيا » ، وهذا حق لأ نّه انقطاع التكليف . ثم قال : « وبالدنيا تحرز الآخرة » ، هذا كقول بعض الحكماء . الدنيا متجر ، والآخرة ربح ، ونفسك رأس المال . ثم قال : « وبالقيامة تزلف الجنَّة للمتقين وتبرز الجحيم للغاوين » ، هذا من

1.سورة يوسف ۱۷ .

2.سورة فاطر ۲۸ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
524

فأمّا قوله عليه السلام : « ولو دُعِيَتْ لتنال من غيري مثل ما أتت إليّ ، لم تفعل » فإنما يعني به عمر ، يقول : لو أنّ عمر وَلِيَ الخلافة بعد قتل عثمان على الوجه الذي قتِل عليه ، الوجهِ الّذي أنا وليت الخلافة عليه ، ونسِب إلى عمر أنه كان يؤثر قتله ، أو يحرّض عليه ، ودعِيَتْ عائشة إلى أن تخرج عليه في عصابة من المسلمين إلى بعض بلاد الإسلام ـ تثير فتنة وتنقض البيعة ـ لم تفعل ، وهذا حقّ ؛ لأنها لم تكن تَجِد على عمر ما تجده على عليّ عليه السلام ، ولا الحال الحال ۱ .
فأمّا قوله : « ولها ـ بعدُ ـ حُرْمتها الأولى ، والحساب على اللّه » ، فإنه يعني بذلك حُرْمَتها بنكاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لها ، وحسابها على اللّه ؛ لانه غفور رحيم لا يتعاظم عفوه زلّة ، ولا يضيق عن رحمته ذنب .

الأصْلُ :

۰.منه :سَبِيلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ ، أَنْوَرُ السِّرَاجِ . فَبِالاْءِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ ، وَبِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الاْءِيمَانِ ، وَبِالاْءِيمَانِ يُعْمَرُ الْعِلْمُ ، وَبِالْعِلْمِ يُرْهَبُ الْمَوْتُ ، وَبالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا ، وَبِالدُّنْيَا تُحْرَزُ الآخِرَةُ ، وَبِالقِيَامَةِ تُزْلَفُ الجَنَّةُ للمُتقينَ وَتُبرزُ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ . وَإِنَّ الْخَلْقَ لاَ مَقْصَرَ لَهُمْ عَنِ الْقِيَامَةِ ، مُرْقِلِينَ فِي مِضْمَارِهَا إِلَى

1.ذكر الشارح الكثير من أسباب الضغن نقلها عن شيخه أبي يعقوب يوسف اللّمعاني ، وما كان شيخه هذا يتشيّع ، بل كان شديد الاعتزال ومن أهم هذه الأسباب هي : أن نسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من علي وفاطمة لا من عائشة ، وأن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم سدّ الأبواب جميعا إلى المسجد ومنها باب أبيها وفتح باب صهره علي عليه السلام ، وأنها كانت تأمل أن تكون الخلافة بعد مقتل عثمان لابن عمّها طلحة لا لعلي عليه السلام ، وأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال في ابنته فاطمة : إنّها سيدة نساء العالمين وعديلة مريم ، ولم يقل ذلك في عائشة ، بل قال لنسائه : أيتكن صاحبة الجمل الأدبب يقتل حولها خلق كثير ، وبعث أباها ببراءة إلى مكة ثم عزله بعلي عليه السلام ، كل ذلك أوغر قلب عائشة على أمير المؤمنين عليه السلام . ومما قاله أيضا : لما ماتت فاطمة عليهاالسلام فجاء نساء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كلّهن إلى بني هاشم في العزاء إلاّ عائشة فإنّها لم تأتِ ، وأظهرت مرضا ، ونقل إلى علي عليه السلام عنها كلام يدل على السرور . راجع الأصل من هذا الشرح ۹ : ۱۹۲ ـ ۱۹۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8664
صفحه از 712
پرینت  ارسال به