فإن قلت : فلم قال : « فما طاب » ؟ وهلاّ قال : « فمن طاب » ! وكذلك في « خَبُث »!
قلت : كلامه في الأخلاق والعقائد وما تنطوي عليه الضمائر ؛ يقول : ما طاب من هذه الأخلاق والملكات ، وهي خلق النفس الربانيّة المريدة للحقّ ؛ من حيث هو حقّ ؛ سواء كان ذلك مذهب الآباء والأجداد أو لم يكن ؛ وسواء كان ذلك مستقبَحاً مستهجناً عند العامّة أو لم يكن ؛ وسواء نال به من الدنيا حظّا أو لم ينل . يستطيب باطنه يعني ثمرته ؛ وهي السعادة ؛ وهذا المعنى من مواضع « ما » لا من مواضع « من » .
فأمّا الخبر المرويّ ، فإنه مذكور في كتب المحدّثين ؛ وقد فسّره أصحابنا المتكلّمون ، فقالوا : إنّ اللّه تعالى قد يحبّ المؤمن ومحبَّته له إرادة إثابته ، ويبغض عملاً من أعماله وهو ارتكاب صغيرة من الصغائر ؛ فإنّها مكروهة عند اللّه ، وليست قادحة في إيمان المؤمن ؛ لأنها تقع مكفِّرة ؛ وكذلك قد يبغض العبدَ بأن يريد عقابه ؛ نحو أن يكون فاسقاً لم يتب ، ويحبّ عملاً من أعماله ؛ نحو أن يطيع ببعض الطاعات ، وحبّه لتلك الطاعة ؛ هي إرادته تعالى أن يُسقط عنه بها بعض ما يستحقّه من العقاب المتقدّم .
الأصْلُ :
۰.وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً ، وَكُلُّ نَبَاتٍ لاَ غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ ، وَالْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ ؛ فَمَا طَابَ سَقْيُهُ ، طَابَ غَرْسُهُ وَحَلَتْ ثَمَرَتُهُ ، وَمَا خَبُثَ سَقْيُهُ ، خَبُثَ غَرْسُهُ وَأَمَرَّتْ ثَمْرَتُهُ .
الشّرْحُ :
السَّقْي : مصدر سَقَيْت ، والسِّقْي ، بالكسر : النصيب من الماء . وأمرَّ الشيء ، أي صار مرّا .
وهذا الكلام مثل في الإخلاص وضدّه وهو الرياء وحبّ السمعة ، فكلّ عمل يكون مدده الإخلاص لوجهه تعالى لا غير ؛ فإنه زاكٍ حلو الجنَى ، وكلّ عمل يكون الرياء وحبّ الشهرة مددة ؛ فليس بزاكٍ ، وتكون ثمرته مرّة المذاق .