إِنْ ثَبَتَتِ الْوَطْأَةُ فِي هذِهِ الْمَزَلَّةِ فَذَاكَ ، وَإِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ ، وَمَهَبِّ رِيَاحٍ ، وَتَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ ، اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفِّقُهَا ، وَعَفَا فِي الأرْض مَخَطُّهَا . وَإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً ، وَسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلاَءً سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ ، وَصَامِتَةً بَعْدَ نُطْقٍ . لِيَعِظْكُمْ هُدُوِّي ، وَخُفُوتُ إِطْرَاقِي ، وَسُكُونُ أَطْرَافِي ، فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ الْمَنْطِقِ الْبَلِيغِ ، وَالْقَوْلِ الْمَسْمُوعِ . وَدَاعِي لَكُمْ وَدَاعُ امْرِئٍ مُرْصَدٍ لِلتَّـلاَقِي ! غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي ، وَيُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي ، وَتَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي ، وَقِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي .
الشّرْحُ :
أطردتُ الرجل ، إذا أمرتَ بإخراجه وطردِه ، وطردتُه إذا نفيتَه وأخرجتَه ؛ فالإطّراد أدَلّ على العزّ والقهر من الطرد ، وكأنه عليه السلام جعل الأيام أشخاصا يأمر بإخراجهم وإبعادهم عنه ، أي ما زِلْتُ أبحث عن كيفيّة قتلي ، وأيّ وقت يكون بعينه ، وفي أيّ أرض يكون ، يوماً يوماً ، فإذا لم أجده في اليوم أطردته واستقبلت غده ؛ فأبحث فيه أيضا ، فأبعده وأطرده ، وأستأنف يوماً آخر ، هكذا حتى وقع المقدور ۱ .
أمّا قوله : « كلّ أمرئ لاق ما يفرّ منه في فراره » ، أي إذا كان مقدوراً ، وإلاّ فقد رأينَا مَنْ يفرّ من الشيء ويسلم ؛ لأ نّه لم يقدّر ، وهذا من قوله تعالى : « وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَةٍ » ۲ ،