ثم قال : « ولا يحيا له أثر ، إلاّ مات له أثر » ، وذلك أنّ الإنسان في الأعمّ الأغلب لا ينتشر صيتُه ويشيع فضلُه إلاّ عند الشيخوخة ، وكذلك لا تعرف أولاده ويصير لهم اسم في الدنيا إلاّ بعد كبره وعلو سنه ، فإذا ما حي له أثر إلاّ بعد أن مات له أثر ، وهو قوّته ونشاطه وشبيبته ، ومثله قوله : « ولا يتجدّد له جديد ، إلاّ بعد أن يخلَق له جديد » .
ثم قال : « ولا تقوم له نابتة إلاّ وتسقط منه محصودة » ، هذه إشارة إلى ذهاب الآباء عند حدوث أبنائهم في الأعمّ الأغلب ، ولهذا قال : « وقد مضت أُصولٌ نحن فروعها فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله » .
الأصْلُ :
۰.منها :وَمَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ . فَاتَّقُوا الْبِدَعَ ، وَالْزَمُوا الْمَهْيَعَ . إِنَّ عَوَازِمَ الْأُمُورِ أَفْضَلُهَا ، وَإِنَّ مُحْدَثَاتِهَا شِرَارُهَا .
الشّرْحُ :
البدْعة : كل ما أُحدِث مما لم يكنْ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . ومعنى قوله عليه السلام : «ما أُحدِثتْ بدعة إلا تُرِكَ بها سنّة » ، أنّ من السنَّة ألاّ تحدث البدعة ، فوجود البدعة عدمٌ للسنّة لا محالة . والمهيَع : الطريق الواضح ، من قولهم : أرض هيعة ، أي مبسوطة واسعة ؛ والميم مفتوحة وهي زائدة . وعوازم الأُمور : ما تقادم منها ، من قولهم : عجوزٌ عوْزم أي مسنّة . ويجمع « فوعل » على فواعل ، كدورق ، وهَوْجل ، ويجوز أن يكون « عوازم » جمع عازمة ، ويكون فاعل بمعنى مفعول ، أي معزوم عليها ، أي مقطوع معلوم بيقين صحتها ، ومجيء « فاعلة » بمعنى « مفعولة » كثير ، كقولهم : عيشة راضية بمعنى مرضيّة ، والأوّل أظهر عندي ؛ لأنّ في مقابلته قوله : « وإنّ محدَثاتها شرارها » والمحدَث في مقابلة القديم .