431
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

قوله : « جفاة عن الكتاب » : جمع جافٍ وهو النابي عن الشيء ، أي قد نَبوْا عن الكتاب لا يلائمهم ولا يناسبونه ، تقول : جفَا السرجُ عن ظهرِ الفرس إذا نبا وارتفع ، وأجفيتُه أنا ، ويجوز أن يريد أنَّهم أعراب جفاة ، أي أجْلافٌ لا أفهام لهم . قوله : « نُكُبٌ عن الطريق » ، أي عادلون ، جمع ناكب ، نكَب ينكُب عن السبيل ، بضم الكاف ، نكُوباً . قوله : « وما أنتم بوثيقة » ، أي بذي وثيقة ، فحذف المضاف ، والوثيقة : الثقة ، يقال : قد أخذت في أمر فلان بالوثيقة ، أي بالثقة ، والثقة مصدر . والزوافر : العشيرة والأنصار ، ويقال : هم زافرتهم عند السلطان ، للذين يقومون بأمرهم عنده . وقوله : « يعتصم إليها » ، أي بها ، فأناب « إلى » مناب الباء ، وحُشاش النار : ما تُحشّ به ، أي توقد . وروي « حَشاش » بالفتح كالشَّياع ، وهو الحطب الذي يلقى في النار قبل الجزل ، وروي : « حُشّاش » بضم الحاء وتشديد الشين ، جمع حاشٍّ ، وهو الموقد للنار .
قوله : « أفٍّ لكم » من الألفاظ القرآنية ، وفيها لغات « أفّ » بالكسر وبالضم وبالفتح و « أفٍّ » منوناً بالثلاث أيضا ، ويقال : أفّا وتفّا ، وهو اتباع له ، وأفَّة وتفّة ، والمعنى استقذار المعنيّ بالتأفيف . قوله : « لقد لقيت منكم بَرْحا » ، أي شدّة ، يقال : لقيت منهم بَرْحا بارحاً ، أي شدّة وأذى . ويروى : « ترحاً » ، أي حزناً .
ثم ذكر أنه يناديهم جهاراً طوراً ، ويناجيهم سِرّا طوراً ، فلا يجِدُهم أحرارا عند ندائه ، أي لا ينصرون ولا يجيبون ، ولا يجدهم ثقاتا وذوي أمانة عند المناجاة ، أي لا يكتمون السرّ . والنّجاء : المناجاة ، مصدر ناجيته نجاءً ، مثل ضاربته ضِرابا ، وصارعته صِراعاً .

۱۲۶

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء
وتصييره الناس أُسوة في العطاء من غير تفضيل أُولي السابقات والشرف :
أَتَأْمنِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ ؟! وَاللّهِ لاَ أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
430

لضمة الجيم . ثم قال : لمّا دعينا إلى تحكيم الكتاب ، لم نكن القوم الذين قال اللّه تعالى في حقّهم : « وَإذَا دُعُوا إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ » ۱ ، بل أجبنا إلى ذلك ، وعملنا بقول اللّه تعالى : « فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوه إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ » . وقال : معنى ذلك أنْ نحكم بالكتاب والسنّة ، فإذا عمل الناس بالحقّ في هذه الواقعة ، واطّرحوا الهوى والعصبية ، كنّا أحقّ بتدبير الأُمّة وبولاية الخلافة من المنازِع لنا عليها .
فإن قلت : إنّه عليه السلام لم يقل هكذا ، وإنما قال : إذا حُكِم بالصدق في كتاب اللّه ، فنحن أولى به ، وإذا حُكِم بالسنة فنحن أحقّ بها!
قلت : إنّه رفع نفسه عليه السلام أن يصرّح بذكر الخلافة فكنّى عنها ، وقال : نحنُ إذا حُكِم بالكتاب والسنّة أولَى بالكتاب والسنّة ، ويلزم من كونه أوْلى بالكتاب والسنة من جميع الناس أن يكون أولى بالخلافة من جميع الناس ، فدلّ على ما كنّى عنه بالأمر المستلزم له .
ثم قال عليه السلام : فأمّا ضربي للأجل في التّحكيم فإنما فعلته ؛ لأنّ الأناة والتثبّت من الأُمور المحمودة ، أمّا الجاهل فيعلم فيه ما جهله ، وأما العالم فيثبُت فيه على ما علِمه ، فرجوت أن يصلح اللّه في ذلك الأجلِ أمرَ هذه الأُمّة المفتونة . ولا تؤخذ بأكْظامها : جمع كَظْم ، وهو مخرج النَّفَس ، يقول : كرهت أن أعجل القوم عن التبيّن والاهتداء ، فيكون إرهاقي لهم ، وتركي للتنفيس عن خناقهم ، وعدُولِي عن ضرب الأجَل بيني وبينهم ، أدْعَى إلى استِفسادهم ، وأحْرَى أن يركبوا غيَّهم وضلالهم ، ولا يُقْلِعوا عن القبيح الصادر عنهم .
ثم قال : أفضلُ الناس مَنْ آثرَ الحقّ ـ وإن كرثه ، أي اشتدّ عليه ، وبلغ منه المشقّة ، ويجوز « أكرثه » بالألف ـ على الباطل ، وإن انتفع به وأورثه زيادة . ثم قال : « فأين يتاه بكم ؟ » ، أي أين تذهبون في التيه ؟ يعني في الحيْرة . وروي : « فأنّى يُتاهُ بكم ؟ » . ومن أين أُتيتم ؟ أي كيفَ دخل عليكم الشيطان أو الشبهة ، ومن أيّ المداخل دخل اللّبس عليكم ؟!
ثم أمرهم بالاستعداد للمسير إلى حرب أهل الشام ، وذكَر أنّهم مُوزَعُون بالجوْر ، أي ملهَمون ، قال تعالى : « رَبِّ أوْزِعْنِي أنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ » ۲ ، أي ألهمني ، أوزعته بكذا وهو موزَع به . ولا يعدِلون عنه ، لا يتركونه إلى غيره ، وروي « لا يعدلون به » ، أي لا يعدلون بالجوْر شيئا آخر ، أي لا يرضون إلاّ بالظلم والجوْر ولا يختارون عليهما غيرهما .

1.سورة النور ۴۸ .

2.سورة النمل ۱۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8424
صفحه از 712
پرینت  ارسال به