43
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

وأمر مهم آخر يدّلك على انحراف ابن أبي الحديد عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وهو عدم اعترافه بإيمان أبي طالب عليه السلام ، وهو يعلم أنّ من لم يقرّ بإيمانه كان مصيره إلى النار . روى بنفسه ذلك عن الإمام الرضا عليه السلام ، كما روى عن الإمام علي عليه السلام قوله : « مامات أبو طالب حتى أعطى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من نفسه الرضا » . وهو يعلم حبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلملأبي طالب ولو كان كافراً لما جاز له حبّه ، كما استفاض الحديث وهو قوله صلى الله عليه و آله وسلملعقيل : « أنا أُحبّك حبّين حبّاً لك وحبّاً لحبِّ أبي طالب فإنّه كان يحبّك » . كما روى أبن أبي الحديد أشعاراً كثيرة له عليه السلام في تمجيد النبي صلى الله عليه و آله وسلم وتأييد الإسلام ، كما ذكر مواقفه قولاً وفعلاً دفاعاً عن الإسلام والمسلمين .
ومع ذلك لما صنّف أحد الطالبيين (ولعله استاذه فخار بن معد الموسوي) كتاباً في إسلام أبي طالب ، وبعثه إلى ابن أبي الحديد يسأله بيان رأيه في إسلام أبي طالب عليه السلام ، وبوثاقة الأدلة عليه ، يقول : فتحرّجت أن أحكم بذلك حكماً قاطعاً لما عندي من التوقّف فيه ، ولم استجز أنْ أقعد عن تعظيم حق أبي طالب ، فإني أعلم أن حقّه واجب على كلّ مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فكتبتُ على ظاهر المجلَّد :

ولولا أبو طالب وابنهلما مثل الدين شخصاً فقاما
فذاك بمكة آوى وحامىوهذا بيثرب جسَّ الحِماما
وهذان البيتان مطلع السبعة الأبيات ، التي قال بعدها : فوفيته حقّه من التعظيم والإجلال ، ولم أجزم بأمر عندي فيه وَقْفَة ۱ . وتوقّفه هذا يدلّ على عدم تشيعه .
ومن الجدير بالذكر ، أن ابن أبي الحديد ، لم يعتمد في رواياته وأخباره على كتب الإمامية ، نعم ذكر ثلاثة منها ، وهي : كتاب سليم بن قيس الهلالي ( ت ۷۷ ه ) ذكره في ج۱۲/۲۱۲ ، ۲۱۶ ـ ۲۱۷ ، وكتاب محمد بن جرير الطبري الآملي ( المسترشد في الإمامة ) ، ذكره في ج۲/۳۶ ، ج۱۱/۶۹ ، وكتاب الإرشاد للشيخ المفيد ، ذكره في ج۱۴/۱۳۲ . أمّا الكتابان الأولان ، فقد ذكرهما ابن أبي الحديد ، للردّ عليهما ، وأمّا الكتاب الثالث ، فقد ذكره ليقول عنه : إنّه مخالف لكتب علي عليه السلام وخطاباته .
وأخيراً فإنّ قراءة متأنية لشرح النهج ، لا تجد صعوبة في اكتشاف عقيدة ابن أبي

1.انظر : شرح نهج البلاغة ۱۴/۸۴ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
42

مدح فيها الإمام علي عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام ، لكن هل يغمز المسلم بالغلو في التشيع والولاء والحبّ لأهل البيت عليهم السلام الذين جعل اللّه ورسوله حبَّهم فريضة من فرائض الدين ، وأوجب الصلاة عليهم في الصلوات الخمس كل يوم ؟ وكيف يُنعت عزّ الدين بالغلو في التشيع بعد أن أنكر « النصّ » في شرح النهج ، وبعد أن ألّف كتاباً في الردّ على غلاة الشيعة أسماه (مقالات الشيعة) ، وبعد أن نقض ذريعة الشريف المرتضى وشافيته دفاعاً عن مذهب الاعتزال ؟
ولم ينظم علوياته إلاّ أيام الخليفة الناصر العباسي (۶۲۲ ه) الذي لم تكن بيده يوم تولى الخلافة غير بغداد ، فأعلن أنّه من الشيعة الإمامية ؛ ليأتلفهم ، وهم يومذاك أكثر أهل بغداد والعراق ، وتشيّعُ الناصرِ ، تشيّعٌ سياسي لا مذهبي ، وإلاّ لقلب دولته إلى مذهب الشيعة الإمامية ، فهتف عزّ الدين ابن أبي الحديد بعلوياته ، لتكون جوازه إلى ديوان الناصر .
ولما ألّف ابن أبي الحديد (شرح النهج) بطلب من ابن العلقمي الأسدي وزير المستعصم ، كان ينظر بعين إلى الخليفة الشافعي ، وبعين إلى الوزير الشيعي ، وحاول يراعه المحافظة على هذه المعادلة وهو يرقم شرح النهج ۱ .
حتى إنه في قصيدته التي بعثها إلى الوزير العلقمي يشكره فيها على هديته ، يؤكد على مذهبه في الاعتزال :

أحب الاعتزال وناصريهذوي الألباب والنظر الدقيق
وذكر السيوطي : أنه تدل سيرة عبد الحميد بن أبي الحديد وأشقائه الثلاثة وأبيهم أنهم من الشيعة الإمامية ، إلاّ أنهم انتحلوا المذهب الشافعي بعد انخراطهم في وظائف العباسيين ، وكان القادر باللّه العباسي أول من انتحل المذهب الشافعي من الخلفاء العباسيين ۲ .
إننا لو سلّمنا بضمون هذا النص لأمكن تفسير تحوّل هذه الأسرة من مذهبها الشيعي إلى المذهب الشافعي مذهب الخليفة ، وتلوّن مشاعر عز الدين بن أبي الحديد وآرائه وتقلبها بحسب ما يحصل عليه من مكاسب ومنافع دنيويه آنيّة ، ولكن يصعب الالتزام بذلك لما قلناه سابقاً .
ومع ذلك فقد ظهر في علوياته محايداً وأميناً ، حافظ على استقلال شخصيته وأمانتها .

1.العذيق النضيد ، د . أحمد الربيعي ، ص۶۴ .

2.تاريخ الخلفاء ، ص۴۱۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8597
صفحه از 712
پرینت  ارسال به