429
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الدَّفَّتَيْنِ ، لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانٍ ، وَلابدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ . وَإِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ . وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ إِلَى أَنْ نُحَكِّمَ بَيْنَنَا الْقُرْآنَ لَمْ نَكُنِ الْفَرِيقَ الْمُتَوَلِّيَ عَنْ كِتَابِ اللّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَقَدْ قَالَ اللّهُ تعالى عزَّ مِنْ قائلٍ : « فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه وَالرَّسُولِ » ۱ فَرَدُّهُ إِلَى اللّهِ أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ ، وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ ، أَنْ نَأْخُذَ بسُنَّتِهِ ؛ فَإِذَا حُكِمَ بِالصِّدْقِ فِي كِتَابِ اللّهِ ، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاس بِهِ ، وَإنْ حُكمَ بسُنَّةِ رَسُولِ اللّه صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَنَحْنُ أَحَقُّ الناسِ وَأَوْلاَهُمْ بِهَا .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : لِمَ جَعَلْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ أَجَلاً فِي التَّحْكِيمِ ؟ فَإِنَّمَا فَعَلْتُ ذلِكَ لِيَتَبَيَّنَ الْجَاهِلُ ، وَيَتَثَبَّتَ الْعَالِمُ ؛ وَلَعَلَّ اللّهَ أَنْ يُصْلِحَ فِي هذِهِ الْهُدْنَةِ أَمْرَ هذِهِ الْأُمَّةِ ، وَلاَ تُؤخَدُ بِأَكْظَامِهَا ، فَتَعْجَلَ عَنْ تَبَيُّنِ الْحَقِّ ، وَتَنْقَادَ لِأَوَّلِ الْغَيِّ .
إِنَّ أَفْضَلَ النَّاس عِنْدَ اللّهِ مَنْ كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَقِّ أَحَبَّ إِلَيْهِ ـ وَإِنْ نَقَصَهُ وَكَرَثَهُ ـ مِنَ الْبَاطِلِ وَإِنْ جَرَّ إِلَيْهِ فَائِدَةً وَزَادَهُ . فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ ؟! وَمِنْ أَيْنَ أُتِيْتُمْ ! اسْتَعِدُّوا لِلْمَسِيرِ إِلَى قَوْمٍ حَيَارَى عَنِ الْحَقِّ لاَ يُبْصِرُونَهُ ، وَمُوزَعِينَ بِالْجَوْرِ لاَ يَعْدِلُونَ بِهِ ، جُفَاةٍ عَنِ الْكِتَابِ ، نُكُبٍ عَنِ الطَّرِيقِ . مَا أَنْتُمْ بِوَثِيقَةٍ يُعْلَقُ بِهَا ، وَلاَ زَوَافِرِ عِزٍّ يُعْتَصَمُ إِلَيْهَا . لَبِئْس حُشَّاشُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ ! أُفٍّ لَكُمْ ! لَقَدْ لَقِيتُ مِنْكُمْ بَرْحاً يَوْماً أُنَادِيكُمْ وَيَوْماً أُنَاجِيكُمْ ، فَـلاَ أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ النِّدَاءِ ، وَلاَ إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ النِّجَاءِ!

الشّرْحُ :

دَفّتا المصحف : جانباه اللّذان يكنُفانه ، وكان الناس يعملونَهما قديماً من خشب ، ويعملونَهما الآن من جلد ، يقول عليه السلام : لا اعتراضَ عليّ في التحكيم، وقول الخوارج : «حكّمت الرجال» دَعْوَى غير صحيحة ، وإنّما حكّمت القرآن ؛ ولكنّ القرآن لا ينطق بنفسه، ولا بدّ له ممّن يترجم عنه. والتَّرْجُمان بفتح التاء وضم الجيم ، هو مفسّر اللغة بلسان آخر ، ويجوز ضمّ التاء

1.سورة النساء ۵۹.


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
428

الشّرْحُ :

طعن دِراك ، أي متتابع يتلو بعضُه بعضاً . ويخرج منه النسيم ، أي لسَعته . وأميرُ المؤمنين عليه السلام أراد من أصحابه طعناتٍ يخرُج النسيم ـ وهو الريح اللينة ـ منهنّ . وفلقت الشيء أفلِقه ـ بكسر اللام ـ فَلْقاً ، أي شققتُه . ويُطِيح العظام : يسقطها ، طاح الشيء ، أي سقط أو هلك أو تاه في الأرض ، وأطاحه غيره ، وطَوّحه . ويُنْدِرُ السواعد : يسقطها أيضاً ، ندرَ الشيء يندُر نَدْرا ، أي سقط ، ومنه النوادر ، وأندره غيرُه . والساعد من الكوع إلى المِرفق ، وهو الذراع . والمناسر : جمع مَنْسِر ، وهو قطعة من الجيش تكون أمامَ الجيش الأعظم ، بكسر السين وفتح الميم ، ويجوز مِنْسَر بكسر الميم وفتح السين ، وقيل إنها اللّغة الفصحى . ويُرْجَمُوا ، أي يُغْزَوْا بالكتائب ، جمع كتيبة وهي طائفة من الجيش . تقفوها الحلائب ، أي تتبعها طوائف لنصرِها والمحاماة عنها ، يقال : قد أحلبوا ، إذا جاؤوا من كلّ أوب للنّصرة ، ورجل مُحلِب ، أي ناصر ، وحالبت الرجل ، إذا نصرتَه وَأعنته . والخميس : الجيش . والدَّعْق قد فسّره الرضيّ رحمه الله ، ويجوز أن يفسَّر بأمر آخر ، وهو الهيْج والتّنفير ، دَعَقَ القومَ يَدْعَقُهم دَعْقاً ، أي هاج منهم ونَفّرهم .
ونواحر أرضهم ، قد فسّره ؛ أيضا ، ويمكن أن يفسّر بأمر آخر ، وهو أن يراد به أقصى أرضِهم وآخرها ، من قولهم لآخر ليلة في الشهر : ناحرة . وأعنان مسارِبهم ومسارحهم : جوانبها ، والمسارب : ما يسرُب فيه المال الراعي ، والمسارح : ما يسرح فيه ، والفرق بين « سرح » و « سرب » ، أنّ السُّروح إنما يكونُ في أوّل النهار ، وليس ذلك بشرط في السُّروب .
واعلم أنّ هذا الكلام قاله أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه في صفين ، يحرّضهم به .

۱۲۵

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال
ويذم فيه أصحابه في التحكيم ، فقال :
إِنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ ، وَإِنَّمَا حَكَّمْنَا الْقُرْآنَ . هذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْتُورٌ بَيْنَ

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8541
صفحه از 712
پرینت  ارسال به