الدَّفَّتَيْنِ ، لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانٍ ، وَلابدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ . وَإِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ . وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ إِلَى أَنْ نُحَكِّمَ بَيْنَنَا الْقُرْآنَ لَمْ نَكُنِ الْفَرِيقَ الْمُتَوَلِّيَ عَنْ كِتَابِ اللّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَقَدْ قَالَ اللّهُ تعالى عزَّ مِنْ قائلٍ : « فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه وَالرَّسُولِ » ۱ فَرَدُّهُ إِلَى اللّهِ أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ ، وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ ، أَنْ نَأْخُذَ بسُنَّتِهِ ؛ فَإِذَا حُكِمَ بِالصِّدْقِ فِي كِتَابِ اللّهِ ، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاس بِهِ ، وَإنْ حُكمَ بسُنَّةِ رَسُولِ اللّه صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَنَحْنُ أَحَقُّ الناسِ وَأَوْلاَهُمْ بِهَا .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : لِمَ جَعَلْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ أَجَلاً فِي التَّحْكِيمِ ؟ فَإِنَّمَا فَعَلْتُ ذلِكَ لِيَتَبَيَّنَ الْجَاهِلُ ، وَيَتَثَبَّتَ الْعَالِمُ ؛ وَلَعَلَّ اللّهَ أَنْ يُصْلِحَ فِي هذِهِ الْهُدْنَةِ أَمْرَ هذِهِ الْأُمَّةِ ، وَلاَ تُؤخَدُ بِأَكْظَامِهَا ، فَتَعْجَلَ عَنْ تَبَيُّنِ الْحَقِّ ، وَتَنْقَادَ لِأَوَّلِ الْغَيِّ .
إِنَّ أَفْضَلَ النَّاس عِنْدَ اللّهِ مَنْ كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَقِّ أَحَبَّ إِلَيْهِ ـ وَإِنْ نَقَصَهُ وَكَرَثَهُ ـ مِنَ الْبَاطِلِ وَإِنْ جَرَّ إِلَيْهِ فَائِدَةً وَزَادَهُ . فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ ؟! وَمِنْ أَيْنَ أُتِيْتُمْ ! اسْتَعِدُّوا لِلْمَسِيرِ إِلَى قَوْمٍ حَيَارَى عَنِ الْحَقِّ لاَ يُبْصِرُونَهُ ، وَمُوزَعِينَ بِالْجَوْرِ لاَ يَعْدِلُونَ بِهِ ، جُفَاةٍ عَنِ الْكِتَابِ ، نُكُبٍ عَنِ الطَّرِيقِ . مَا أَنْتُمْ بِوَثِيقَةٍ يُعْلَقُ بِهَا ، وَلاَ زَوَافِرِ عِزٍّ يُعْتَصَمُ إِلَيْهَا . لَبِئْس حُشَّاشُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ ! أُفٍّ لَكُمْ ! لَقَدْ لَقِيتُ مِنْكُمْ بَرْحاً يَوْماً أُنَادِيكُمْ وَيَوْماً أُنَاجِيكُمْ ، فَـلاَ أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ النِّدَاءِ ، وَلاَ إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ النِّجَاءِ!
الشّرْحُ :
دَفّتا المصحف : جانباه اللّذان يكنُفانه ، وكان الناس يعملونَهما قديماً من خشب ، ويعملونَهما الآن من جلد ، يقول عليه السلام : لا اعتراضَ عليّ في التحكيم، وقول الخوارج : «حكّمت الرجال» دَعْوَى غير صحيحة ، وإنّما حكّمت القرآن ؛ ولكنّ القرآن لا ينطق بنفسه، ولا بدّ له ممّن يترجم عنه. والتَّرْجُمان بفتح التاء وضم الجيم ، هو مفسّر اللغة بلسان آخر ، ويجوز ضمّ التاء