427
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

ويروى : « والذلّ اللاذم » بالذال المعجمة ، وهو بمعنى اللازم أيضا ، لذِمْتُ المكان بالكسر ، أي لزمته . ثم ذكر أنّ الفِرار لا يزيد في العُمْر . ثم قال لهم : أيُّكم يروح إلى اللّه فيكون كالظمآن يرد الماء . ثم قال : الجنّة تحت أطراف العوالى ، وهذا من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . « الجنّة تحت ظلال السيوف » ۱ . ثم قال : « اليوم تُبْلَى الأخبار » ، هذا من قول اللّه تعالى : « وَنَبْلُوَ أخْبَارَكُمْ » ۲ ، أي نختبر أفعالكم .
ثم دعا على أهل الشام ، إن ردّوا الحق بأن يفضّ اللّه جماعتهم ، أي يهزمهم . ويشتّت ، أي يفرّق كلمتهم . وأن يُبسلهم بخطاياهم ، أي يسلمهم لأجل خطاياهم التي اقترفوها ولا ينصرهم . أبسلت فلانا ، إذا أسلمته إلى الهلكة ، فهو مبسَل ، قال تعالى : « أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ » ، أي تُسلم ، وقال : « أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا » ۳ ، أي أسلموا للهلاك لأجل ما اكتسبوه من الإثم ، وهذه الألفاظ كلّها لا يتلو بعضها بعضاً ، وإنما هي منتزَعة من كلام طويل ، انتزعها الرضيّ ؛ واطّرح ما عداها .

الأصْلُ :

۰.إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهمْ دُونَ طَعْنٍ دِرَاكٍ يَخْرُجُ مِنْهُ النَّسِيمُ ، وَضَرْبٍ يَفْلِقُ الْهَامَ ، وَيُطِيحُ الْعِظَامَ ، وَيُنْدِرُ السَّوَاعِدَ وَالْأَقْدَامَ ، وَحَتَّى يُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا الْمَنَاسِرُ ، وَيُرْجَمُوا بِالْكَتَائِبِ ، تَقْفُوهَا الْحَلاَئِبُ ، وَحَتَّى يُجَرَّ بِبِلاَدِهِمُ الْخَمِيسُ يَتْلُوهُ الْخَمِيسُ ، وَحَتَّى تَدْعَقَ الْخُيُولُ فِي نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ ، وَبِأَعْنَانِ مَسَارِبِهِمْ وَمَسَارِحِهِمْ .

قال الشريف الرضي رحمه الله :
الدّعْقُ : الدّقُّ ، أيْ تَدُقُّ الخُيُولُ بحَوَافِرِهَا أرْضهُمْ . وَنَوَاحِرُ أرْضهِمْ : مُتَقَابِلاتهَا . وَيُقَالُ : مَنَازِلُ بَني فُلانٍ تتَنَاحَرُ ، أيْ تَتَقَابَلُ .

1.تفسير مجمع البيان للطبرسي ۲ : ۴۴۵ ، مسند أحمد ابن حنبل ۵ : ۵۳۹ ح۱۹۰۴۴ بلفظ : إنّ أبواب الجنّة ... ، صحيح البخاري ۳ : ۱۰۳۷ ح۲۶۶۳ كتاب الجهاد باب (۲۲) بلفظ : واعلموا أنّ الجنة .

2.سورة محمد ۳۱ .

3.سورة الأنعام ۷۰ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
426

وَأنتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ ، وَالسَّنَامُ الْأَعْظَمُ . إِنَّ فِي الْفِرَارِ مَوْجِدَةَ اللّهِ ، وَالذُّلَّ اللاَّزِمَ ، وَالْعَارَ الْبَاقِيَ . وَإِنَّ الْفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيدٍ فِي عُمْرِهِ ، وَلاَ مَحْجُوزٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَوْمِهِ .
مَنْ رَائِحٌ إِلَى اللّهِ كَالظَّمآنِ يَرِدُ الْمَاءَ ؟ الْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ الْعَوَالِي . الْيَوْمَ تُبْلَى الْأَخْبَارُ . وَاللّهِ لأ نَا أَشْوَقُ إِلَى لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ .اللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا الْحَقِّ فَافْضُضْ جَمَاعَتَهُمْ ، وَشَتِّتْ كَلِمَتَهُمْ ، وَأَبْسِلْهُمْ بِخَطَايَاهُمْ .

الشّرْحُ :

من الناس من يجعل هذه الصيغة وهي صيغة الإخبار بالفعل الماضي ، في قوله : « أجزأ امرؤ قِرْنَه » في معنى الأمر ، كأنه قال : ليجز كلّ امرئ قِرنَه ؛ لأ نّه إذا جاز الأمر بصيغة الإخبار في المستقبل جاز الأمر بصيغة الماضي ، وقد جاز الأول ، نحو قوله تعالى : «وَالْوالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ » ۱ ، فوجب أن يجوز الثاني . ومن النّاس من قال : معنى ذلك : هلاّ أجزأ امرؤ قرنه؟! فيكون تحضيضاً محذوف الصيغة للعلم بها . وأجزأ بالهمزة ، أي كفى . وقِرْنك : مقارنك في القتال أو نحوه . وآسى أخاه بنفسه مؤاساة ، بالهمز ، أي جعله أُسوة نفسه فيه ، ويجوز : واسيت زيدا بالواو ، وهي لغة ضعيفة . ولم يكلْ قِرنه إلى أخيه ، أي لم يدع قِرْنه ينضمّ إلى قِرْن أخيه ، فيصيرا معا في مقاومة الأخ المذكور ، وذلك قبيحُ محرّم ، مثاله : زيد وعمرو مسلمان ، ولهما قِرْنان كافران في الحرْب ، لا يجوز لزيد أن ينكُلَ عن قِرْنه فيجتمع قِرْنُه وقِرْن عمرو على عمرو .
ثم أقسم عليه السلام أنّهم إن سلموا من الألم النازل بهم لو قُتِلُوا بالسيف في الدنيا ؛ فإنهم لم يسلموا من عقاب اللّه تعالى في الآخرة ، على فِرارهم وتخاذُلهم . وسمّى ذلك سيفا على وجه الاستعارة وصناعة الكلام ؛ لأ نّه قد ذكر سيف الدنيا ، فجعل ذلك في مقابلته . واللهاميم : السادات الأجواد من الناس . والجياد من الخيل ، الواحد لُهموم . والسَّنام الأعظم ، يريد شَرَفهم وعلوّ أنسابهم ؛ لأنّ السَّنام أعلى أعضاء البعير . وموجدة اللّه : غضبه وسَخَطه .

1.سورة البقرة ۲۳۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8722
صفحه از 712
پرینت  ارسال به