وَالاِعْوِجَاجِ ، وَالشُّبْهَةِ وَالتَّأوِيلِ .فَإِذَا طَمِعْنَا فِي خَصْلَةٍ يَلُمُّ اللّهُ بِهَا شَعَثَنَا ، وَنَتَدَانَى بِهَا إِلَى الْبَقِيَّةِ فِيَما بَيْنَنَا ، رَغِبْنَا فِيهَا ، وَأَمْسَكْنَا عَمَّا سِوَاهَا!
الشّرْحُ :
هذا الكلام يتلُو بعضه بعضا ؛ ولكنه ثلاثة فصول لا يلتصِق أحدها بالآخر ، وهذه عادة الرضي ، تراه ينتخب من جملة الخطبة الطويلة كلماتٍ فصيحة ، يوردها على سبيل التتالي ، وليست متتالية حين تكلّم بها صاحبها ، وسنقطع كلّ فصل منها عن صاحبه إذا مررنا على مَتْنها .
قوله : [أي الرضي] « إلى معسكَرهم » الكاف مفتوحة ، ولا يجوز كسرها ؛ وهو موضع العسكَر ومحطّه.
وشَهِد صفين : حَضَرها ، قال تعالى : « فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ » ۱ . قوله عليه السلام : « فامتازوا » أي انفردوا ، قال اللّه تعالى : « وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ » ۲ . قوله : « حتى أُكلّم كلاًّ منكم بكلامه » ، أي بالكلام الذي يليق به . والغيلة : الخداع . والناعق : المصوّت . قوله : « إن أُجيب أضلّ وإن تُرك ذلّ ... » هو آخر الفصل الأول . وقوله : « أضلّ » ، أي ازداد ضلالاً ؛ لأ نّه قد ضلّ قبل أن يجاب .
فأمّا قوله : « فلقد كنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم » ، فهو من كلام آخر ، وهو قائم بنفسه ، إلى قوله : « وصبراً على مضض الجراح » ، فهذا آخر الفصل الثاني .
فأمّا قوله : « ولكنا إنما أصبحنا » ، فهو كلام ثالث غير منوط بالأولين ولا ملتصق بهما ؛ وهو في الظاهر مخالف ومناقض للفصل الأول ؛ لأنّ الفصل الأول فيه إنكار الإجابة إلى التحكيم ، وهذا يتضمّن تصويبها ، وظاهر الحال أ نّه بعد كلام طويل . وقد قال الرضيّ ؛ في أول الفصل إنه من جملة كلام طويل ، وإنه لَمّا ذكر التحكيم ، قال ما كان يقوله دائما ، وهو أنّي إنما حكّمت على أن نعمَل في هذه الواقعة بحكْم الكتاب ، وإن كنت أحارب قوما أدخلوا في الإسلام زيغا وأحدثوا به اعوجاجاً ، فلمّا دعوني إلى تحكيم الكتاب أمسكْتُ عن قتلهم ،