421
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

وَالاِعْوِجَاجِ ، وَالشُّبْهَةِ وَالتَّأوِيلِ .فَإِذَا طَمِعْنَا فِي خَصْلَةٍ يَلُمُّ اللّهُ بِهَا شَعَثَنَا ، وَنَتَدَانَى بِهَا إِلَى الْبَقِيَّةِ فِيَما بَيْنَنَا ، رَغِبْنَا فِيهَا ، وَأَمْسَكْنَا عَمَّا سِوَاهَا!

الشّرْحُ :

هذا الكلام يتلُو بعضه بعضا ؛ ولكنه ثلاثة فصول لا يلتصِق أحدها بالآخر ، وهذه عادة الرضي ، تراه ينتخب من جملة الخطبة الطويلة كلماتٍ فصيحة ، يوردها على سبيل التتالي ، وليست متتالية حين تكلّم بها صاحبها ، وسنقطع كلّ فصل منها عن صاحبه إذا مررنا على مَتْنها .
قوله : [أي الرضي] « إلى معسكَرهم » الكاف مفتوحة ، ولا يجوز كسرها ؛ وهو موضع العسكَر ومحطّه.
وشَهِد صفين : حَضَرها ، قال تعالى : « فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ » ۱ . قوله عليه السلام : « فامتازوا » أي انفردوا ، قال اللّه تعالى : « وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ » ۲ . قوله : « حتى أُكلّم كلاًّ منكم بكلامه » ، أي بالكلام الذي يليق به . والغيلة : الخداع . والناعق : المصوّت . قوله : « إن أُجيب أضلّ وإن تُرك ذلّ ... » هو آخر الفصل الأول . وقوله : « أضلّ » ، أي ازداد ضلالاً ؛ لأ نّه قد ضلّ قبل أن يجاب .
فأمّا قوله : « فلقد كنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم » ، فهو من كلام آخر ، وهو قائم بنفسه ، إلى قوله : « وصبراً على مضض الجراح » ، فهذا آخر الفصل الثاني .
فأمّا قوله : « ولكنا إنما أصبحنا » ، فهو كلام ثالث غير منوط بالأولين ولا ملتصق بهما ؛ وهو في الظاهر مخالف ومناقض للفصل الأول ؛ لأنّ الفصل الأول فيه إنكار الإجابة إلى التحكيم ، وهذا يتضمّن تصويبها ، وظاهر الحال أ نّه بعد كلام طويل . وقد قال الرضيّ ؛ في أول الفصل إنه من جملة كلام طويل ، وإنه لَمّا ذكر التحكيم ، قال ما كان يقوله دائما ، وهو أنّي إنما حكّمت على أن نعمَل في هذه الواقعة بحكْم الكتاب ، وإن كنت أحارب قوما أدخلوا في الإسلام زيغا وأحدثوا به اعوجاجاً ، فلمّا دعوني إلى تحكيم الكتاب أمسكْتُ عن قتلهم ،

1.سورة البقرة ۱۸۵ .

2.سورة يس ۵۹ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
420

۱۲۱

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام قاله للخوارج
وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة ، فقال عليه السلام :
أَكُلُّكُمْ شَهِدَ مَعَنَا صِفِّينَ ؟ فَقَالُوا : مِنَّا مَنْ شَهِدَ وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْ . قَالَ : فَامْتَازُوا فِرْقَتَيْنِ ، فَلْيَكُنْ مَنْ شَهِدَ صِفِّينَ فِرْقَةً ، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فِرْقَةً ، حَتَّى أُكَلِّمَ كُلاًّ مِنْكُمْ بِكَـلاَمِهِ .وَنَادَى النَّاسَ ، فَقَالَ : أَمْسِكُوا عَنِ الْكَـلاَمِ ، وَأَنْصِتُوا لِقَوْلِي ، وَأَقْبِلُوا بِأَفْئِدَتِكُمْ إِلَيَّ ، فَمَنْ نَشَدْنَاهُ شَهَادَةً فَلْيَقُلْ بِعِلْمِهِ فِيهَا . ثُمَّ كَلَّمَهُمْ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِكَـلاَمٍ طَوِيل ، مِنْ جُمْلَتِهِ أَنْ قَالَ عليه السلام :
أَلَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ حِيلَةً وَغِيلَةً ، وَمَكْراً وَخَدِيعَةً : إِخْوَانُنَا وَأَهْلُ دَعْوَتِنَا ، اسْتَقَالُونَا وَاسْتَرَاحُوا إِلَى كِتَابِ اللّهِ سُبْحَانَهُ ، فَالرَّأْيُ الْقَبُولُ مِنْهُمْ وَالتَّنْفِيسُ عَنْهُمْ ؟ فَقُلْتُ لَكُمْ : هذَا أَمْرٌ ظَاهِرُهُ إِيمَانٌ ، وَبَاطِنُهُ عُدْوَانٌ وَأَوَّلُهُ رَحْمَةٌ ، وَآخِرُهُ نَدَامَةٌ . فَأَقِيمُوا عَلَى شَأنِكُمْ ، وَالْزَمُوا طَرِيقَتَكُمْ ، وَعَضُّوا عَلَى الْجِهَادِ بِنَوَاجِذِكُمْ ، وَلاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى نَاعِقٍ نَعَقَ : إِنْ أُجِيبَ أَضَلَّ ، وَإِنْ تُرِكَ ذَلَّ .
وَقَدْ كَانَتْ هذِهِ الْفَعْلَةُ ، وَقَدْ رَأَيْتُكُمْ أَعْطَيتُمُوهَا . وَاللّهِ لَئِنْ أَبَيتُهَا مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ فَرِيضَتُهَا وَلاَ حَمَّلَنِي اللّهُ ذَ نْبَهَا . وَوَاللّهِ إِنْ جِئْتُهَا إِنِّي لَلْمُحِقُّ الَّذِي يُتَّبَعُ ؛ وَإِنَّ الْكِتَابَ لَمَعِي ، مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحِبْتُهُ . فَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَإِنَّ الْقَتْلَ لَيَدُورُ عَلَى الآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالاْءِخْوَانِ وَالْقَرَابَاتِ ، فَمَا نَزْدَادُ عَلَى كُلِّ مُصِيبَةٍ وَشِدَّةٍ إِلاَّ إِيمَاناً ، وَمُضِيّاً عَلَى الْحَقِّ ، وَتَسْلِيماً لِلْأَمْرِ ، وَصَبْراً عَلَى مَضَض الْجِرَاحِ .
وَلكِنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِي الإسْلاَمِ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الزَّيْغِ

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8473
صفحه از 712
پرینت  ارسال به