وأمر مهم آخر يدّلك على انحراف ابن أبي الحديد عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وهو عدم اعترافه بإيمان أبي طالب عليه السلام ، وهو يعلم أنّ من لم يقرّ بإيمانه كان مصيره إلى النار . روى بنفسه ذلك عن الإمام الرضا عليه السلام ، كما روى عن الإمام علي عليه السلام قوله : « مامات أبو طالب حتى أعطى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من نفسه الرضا » . وهو يعلم حبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلملأبي طالب ولو كان كافراً لما جاز له حبّه ، كما استفاض الحديث وهو قوله صلى الله عليه و آله وسلملعقيل : « أنا أُحبّك حبّين حبّاً لك وحبّاً لحبِّ أبي طالب فإنّه كان يحبّك » . كما روى أبن أبي الحديد أشعاراً كثيرة له عليه السلام في تمجيد النبي صلى الله عليه و آله وسلم وتأييد الإسلام ، كما ذكر مواقفه قولاً وفعلاً دفاعاً عن الإسلام والمسلمين .
ومع ذلك لما صنّف أحد الطالبيين (ولعله استاذه فخار بن معد الموسوي) كتاباً في إسلام أبي طالب ، وبعثه إلى ابن أبي الحديد يسأله بيان رأيه في إسلام أبي طالب عليه السلام ، وبوثاقة الأدلة عليه ، يقول : فتحرّجت أن أحكم بذلك حكماً قاطعاً لما عندي من التوقّف فيه ، ولم استجز أنْ أقعد عن تعظيم حق أبي طالب ، فإني أعلم أن حقّه واجب على كلّ مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فكتبتُ على ظاهر المجلَّد :
ولولا أبو طالب وابنهلما مثل الدين شخصاً فقاما
فذاك بمكة آوى وحامىوهذا بيثرب جسَّ الحِماما
وهذان البيتان مطلع السبعة الأبيات ، التي قال بعدها : فوفيته حقّه من التعظيم والإجلال ، ولم أجزم بأمر عندي فيه وَقْفَة ۱ . وتوقّفه هذا يدلّ على عدم تشيعه .
ومن الجدير بالذكر ، أن ابن أبي الحديد ، لم يعتمد في رواياته وأخباره على كتب الإمامية ، نعم ذكر ثلاثة منها ، وهي : كتاب سليم بن قيس الهلالي ( ت ۷۷ ه ) ذكره في ج۱۲/۲۱۲ ، ۲۱۶ ـ ۲۱۷ ، وكتاب محمد بن جرير الطبري الآملي ( المسترشد في الإمامة ) ، ذكره في ج۲/۳۶ ، ج۱۱/۶۹ ، وكتاب الإرشاد للشيخ المفيد ، ذكره في ج۱۴/۱۳۲ . أمّا الكتابان الأولان ، فقد ذكرهما ابن أبي الحديد ، للردّ عليهما ، وأمّا الكتاب الثالث ، فقد ذكره ليقول عنه : إنّه مخالف لكتب علي عليه السلام وخطاباته .
وأخيراً فإنّ قراءة متأنية لشرح النهج ، لا تجد صعوبة في اكتشاف عقيدة ابن أبي