الدُّعَاءِ ، صُفْرُ الْأَلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ . عَلَى وَجُوهِهمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعيِنَ . أُولئِكَ إِخْوَاني الذَّاهِبُونَ . فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ وَنَعَضَّ الْأَيْدِيَ عَلَى فِرَاقِهِمْ .
إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ ، وَيُرِيدُ أَنْ يَحُلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً ، وَيُعْطِيَكُمْ بِالْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةَ ، وَبِالْفُرْقَةِ الْفِتْنَةَ . فَاصْدِفُوا عَنْ نَزَغَاتِهِ وَنَفَثَاتِهِ ، وَاقْبَلُوا النَّصِيحَةَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا اليكم ، وَاعْقِلوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ .
الشّرْحُ :
هذه شبهة من شبهات الخوارج ، ومعناها أنك نهيت عن الحكومة أولاً ، ثم أمرت بها ثانيا ، فإن كانت قبيحة كنت بنهيك عنها مصيبا ، وبأمرك بها مخطئاً ، وإن كانت حسنة ، كنتَ بنهيك عنها مخطئاً وبأمرك بها مصيباً ، فلا بدّ من خطئك على كلّ حال .
وجوابها أنّ للإمام أن يعمل بموجب ما يغلب على ظنّه من المصلحة ، فهو عليه السلام لَمّا نهاهم عنها كان نهيهُ عنها مصلحة حينئذٍ ، ولما أمرهم بها كانت المصلحة في ظَنّه قد تغيّرت ، فأمرهم على حسب ما تبدّل وتغيّر في ظنه ، كالطبيب الذي ينهى المريض اليوم عن أمرٍ ويأمره بمثله غداً ۱ .
وقوله : « هذا جزاء من ترك العقدة » ، يعني الرأي الوثيق ، وظهرَ فيما بعد أنّ الرأي الأصلح كان الإصرار والثبات على الحرب ، وأن ذلك وإن كان مكروها ، فإن اللّه تعالى كان يجعل الخيرة فيه ، كما قال سبحانه : « فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرا كَثِيرا » ۲ . ثم قال : كنت أحملكم على الحرب وترك الالتفات إلى مكيدة معاوية وعمرو ؛ مِنْ رفْع