413
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الْعَدُوَّ ، وَلَوْ قَدْ حُمَّ لِي لِقَاؤهُ ، لَقَرَّبْتُ رِكَابِي ثُمَّ شَخَصْتُ عَنْكُمْ فَـلاَ أَطْلُبُكُمْ مَا اخْتَلَفَ جَنُوبٌ وَشَمَالٌ؛ طَعَّانِينَ عَيَّابِينَ ، حَيَّادِينَ رَوَّاغِينَ . إِنَّهُ لاَ غَنَاءَ فِي كَثْرَةِ عَدَدِكُمْ مَعَ قِلَّةِ اجْتَِماعِ قُلُوبِكُمْ . لَقَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ الَّتي لاَ يَهْلِكُ عَلَيْهَا إِلاَّ هَالِكٌ . مَنِ اسْتَقَامَ فَإِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَنْ زَلَّ فَإِلَى النَّارِ!

الشّرْحُ :

سكتوا ملياً ، أي ساعة طويلة ، ومضى مَليٌّ من النار كذلك ، قال اللّه تعالى : « وَاهْجُرْنِي مَليّا » ۱ . وأقمت عند فلان مُلاوة ، ومَلاوة ، ومِلاوة من الدهر ، بالحركات الثلاث ، أي حيناً وبرهة ، وكذلك أقمت مَلْوة ومُلوة ومِلوة ، بالحركات الثلاث .
وقوله : « أمخرَسون أنتم ؟ » اسم المفعول من أخرسه اللّه ، وخرس الرجلُ ، والخرَس المصدر . والكتيبة : قطعة من الجيش . والتقلقل : الحركة في اضطراب . والقِدْح : السهم . والجَفِير : الكنانة ، وقيل وعاء للسهام أوسع من الكنانة . واستحار مدارها : اضطرب ، والمدار هاهنا مصدر . والثِّفال بكسر الثاء : جلد يبسط ويوضع الرحا فوقه ، فيطحن باليد ليسقط عليه الدقيق . وحُمّ : أي قُدّر ، والركاب : الإبل . وشخصت عنكم : خرجت .
ثم وصفهم بعيب الناس والطعن فيهم ، وأنّهم يحيدون عن الحقّ عن الحرب ، أي ينحرفون ويروغون كما يروغ الثعلب . ثم قال : إنه لا غناء عندكم وإن اجتمعتم بالأبدان مع تفرّق القلوب . والغَنَاء ، بالفتح والمد : النفع . وانتصب « طعانين » على الحال من الضمير المنصوب في « أطلبكم » .
وهذا كلام قاله أمير المؤمنين عليه السلام في بعض غارات أهل الشام على أطراف أعماله بالعراق بعد انقضاء أمر صِفّين والنهروان ، وقد ذكرنا سببه وواقعته فيما تقدم .
فإن قلت : كيف قال : الطريق الواضح ، فذكّره ، ثم قال : « لا يهلك فيها » فأنثه؟
قلت : لأنّ الطريق يذكّر ويؤنث ، تقول : الطريق الأعظم والطريق العظمى ، فاستعمل اللغتين معاً .

1.سورة مريم ۴۶ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
412

الحميدة ، والسيرة الحسنة ، أطاعه بقلبه باطنا ، بعد أن كان انضوى إليه ظاهراً .
واعلم أنّ هذا الكلام قاله أمير المؤمنين عليه السلام للأنصار بعد فراغه من حرب الجمل ، وقد ذكره المدائني والواقديّ في كتابيهما ۱ .

۱۱۸

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلاموقد جمع الناس وحضّهم على الجهاد فسكتوا ملياً
فقال عليه السلام : مَا بَالُكُمْ ! أَمُخْرَسُونَ أَنْتُمْ ؟ فقال قومٌ مِنْهُمْ : يا أميرَ المؤمِنِينَ ، إن سرْتَ سِرْنَا مَعَكَ .

۰.فقال عليه السلام :مَا بَالُكُمْ ! لاَ سُدِّدْتُمْ لِرُشْدٍ ! وَلاَ هُدِيتُمْ لِقَصْدٍ ! أَفِي مِثْلِ هذَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَخْرُجَ ؟ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ فِي مِثْلِ هذَا رَجُلٌ مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِكُمْ وَذَوِي بَأْسِكُمْ ، وَلاَ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَدَعَ الْجُنْدَ وَالْمِصْرَ وَبَيْتَ الْمَالِ وَجِبَايَةَ الْأَرْض ، وَالْقَضَاءَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَالنَّظَرَ فِي حُقُوقِ الْمُطَالِـبِينَ ، ثُمَّ أخْرُجَ فِي كَتِيبَةٍ أَتْبَعُ أُخْرَى ، أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ فِي الْجَفِيرِ الْفَارِغِ .
وَإِنَّمَا أَنَا قُطْبُ الرَّحَى ، تَدُورُ عَلَيَّ وَأَنَا بِمَكَانِي ، فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَ مَدَارُهَا ، وَاضْطَرَبَ ثِفَالُهَا . هذَا لَعَمْرُ اللّهِ الرَّأْيُ السُّوءُ . وَاللّهِ لَوْلاَ رَجَائِي الشَّهَادَةَ عِنْدَ لِقَائِي

1.كتاب الجمل للمدائني ، ذكره ابن النديم في الفهرست ۱۰ [ ص۱۱۵ الفن الأول ـ المقالة الثالثة ] ، وكتاب الجمل للواقدي ذكره أيضا ابن النديم في ص۹۹ [ ص۱۱۱ الفن الأول ـ المقالة الثالثة ط . طهران ۱۹۷۱ م بتحقيق رضا تجدد ] .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8399
صفحه از 712
پرینت  ارسال به