409
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

ذُكِّرْتُمْ ، وَأَمِنْتُمْ مَا حُذِّرْتُمْ ، فَتَاهَ عَنْكُمْ رَأْيُكُمْ ، وَتَشَتَّتَ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ . وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللّهَ فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، وَأَلْحَقَنِي بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِي مِنْكُمْ . قَوْمٌ وَاللّهِ مَيَامِينُ الرَّأْيِ ، مَرَاجِيحُ الْحِلْمِ ، مَقَاوِيلُ بِالْحَقِّ ، مَتَارِيكُ لِلْبَغْيِ . مَضَوْا قُدُماً عَلَى الطَّرِيقَةِ ، وَأَوْجَفُوا عَلَى الْمَحَجَّةِ ، فَظَفِرُوا بِالْعُقْبَى الْدَّائِمَةِ ، وَالْكَرَامَةِ الْبَارِدَةِ .
أَمَا وَاللّهِ ، لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُـلاَمُ ثَقِيفٍ الذَّيَّالُ الْمَيَّالُ؛ يَأْكُلُ خَضِرَتَكُمْ ، وَيُذِيبُ شَحْمَتَكُمْ . إِيهٍ أَبَا وَذَحَةَ!

قال الرضي رحمه الله :
الْوَذَحَةُ : الخُنْفَسَاءُ . وهذا القول يومئُ به إلى الحجاج ، وله مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره ۱ .

الشّرْحُ :

الصعيد : التراب ، ويقال وجه الأرض ، والجمع صُعُد وصُعُدات ، كطرِيق وطرُق وطُرُقات . والالتدام : ضرب النساء صدورَهنّ في النّياحة . ولا خالف عليها : لا مستخلف .
قوله : « ولهمّت كلَّ امرئ منكم نفسه » ، أي أذابته وأنحلته ، هممتُ الشّحم ، أي أذبته . ويروى : « ولأهمّت كلَّ امرئ » ، وهو أصحّ من الرواية الأُولى ؛ أهمّني الأمر ، أي أحزنني . وتاه عن فلان رأيه ، أي عزَب وضلّ .
ثم ذكر أنه يودّ ويتمنّى أن يفرّق اللّه بينه وبينهم ، ويلحقه بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم وبالصالحين من أصحابه ، كحمزة وجعفر عليهماالسلام وأمثالهما ، ممّن كان أمير المؤمنين يُثْنِي عليه . ويحمَد طريقته من الصحابة . فمضوْا قُدُماً ، أي متقدّمين غير معرّجين ولا معرّدين ۲ . وأوجفوا : أسرعوا . ويقال : غنيمة باردة وكرامة باردة ، أي لم تؤخذ بحرب ولا عسف ؛ وذلك لأنّ المكتسب بالحرب جارٍ في المعنى لما يلاقي ويعاني في حصوله من المشقّة .

1.قيل في تفسير ( الوَذَحَة ) أقوال ، منها : ما ذكره السيّد الشريف الرضي رحمه الله ؛ ومنها : إنّ المفسرين بعد الرضي رحمه اللهقالوا في قصّة هذه الخنفساء وجوها ، نقلها ابن أبي الحديد واحداً واحداً ، وأرجحها عنده أنّها كناية عن حقارة الحجّاج وتمرّده على اللّه ودمويته .

2.يقال : عرّد الرجل عن قرنه ، إذا أحجم ونكل .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
408

مُقَصِّرٍ ، وَجَاهَدَ فِي اللّهِ أَعْدَاءَهُ غَيْرَ وَاهِنٍ وَلاَ مُعَذِّرٍ . إِمَامُ مَنِ اتَّقَى ، وَبَصَرُ مَنِ اهْتَدَى .

الشّرْحُ :

قوله : « وشاهدا على الخلق » ، أي يشهد على القوم الذين بعث إليهم ، وشهد لهم ، فيشهد على العاصي بالعصيان والخلاف ، ويشهد للمطيع بالإطاعة والإسلام ، وهذا من قوله سبحانه وتعالى : « فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤلاءِ شَهِيدا » ۱ . ومن قوله تعالى : « وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ » ۲ .
فإن قلت : إذا كان اللّه تعالى عالما بكلّ شيء، ومالكا لكلِّ أحدٍ، فأيّ حاجة إلى الشهادة؟
قلت : ليس بمنكَرٍ أن يكون في ذلك مصلحة للمكلّفين في أديانهم ، من حيث إنّه قد تقرّر في عقول الناس ، أنّ مَنْ يقوم عليه شاهد بأمرٍ منكرٍ قد فعله ، فإنه يخزَى ويخجل وتنقطع حجته ، فإذا طرق أسماعهم أنّ الأنبياء تشهد عليهم ، والملائكة الحافظين تكتب أعمالَهم ، كانوا عن مواقعة القبيح أبعد .
والواني : الفاتر الكالّ . والواهن : الضعيف . والمعذّر : الذي يعتذر عن تقصيره بغير عذر ؛ قال تعالى : « وجاء المعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَاب » ۳ .

الأصْلُ :

۰.ومنها :وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ ، إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ ، وَتَلْتَدِمُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لاَ حَارِسَ لَهَا وَلاَ خَالِفَ عَلَيْهَا ، وَلَهَمَّتْ كُلَّ امْرِئٍ مِنْكُمْ نَفْسُهُ ، لاَ يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهَا؛ وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ مَا

1.سورة النساء ۴۱ .

2.سورة المائدة ۱۱۷ .

3.سورة التوبة ۹۰ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8621
صفحه از 712
پرینت  ارسال به