ذُكِّرْتُمْ ، وَأَمِنْتُمْ مَا حُذِّرْتُمْ ، فَتَاهَ عَنْكُمْ رَأْيُكُمْ ، وَتَشَتَّتَ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ . وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللّهَ فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، وَأَلْحَقَنِي بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِي مِنْكُمْ . قَوْمٌ وَاللّهِ مَيَامِينُ الرَّأْيِ ، مَرَاجِيحُ الْحِلْمِ ، مَقَاوِيلُ بِالْحَقِّ ، مَتَارِيكُ لِلْبَغْيِ . مَضَوْا قُدُماً عَلَى الطَّرِيقَةِ ، وَأَوْجَفُوا عَلَى الْمَحَجَّةِ ، فَظَفِرُوا بِالْعُقْبَى الْدَّائِمَةِ ، وَالْكَرَامَةِ الْبَارِدَةِ .
أَمَا وَاللّهِ ، لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُـلاَمُ ثَقِيفٍ الذَّيَّالُ الْمَيَّالُ؛ يَأْكُلُ خَضِرَتَكُمْ ، وَيُذِيبُ شَحْمَتَكُمْ . إِيهٍ أَبَا وَذَحَةَ!
قال الرضي رحمه الله :
الْوَذَحَةُ : الخُنْفَسَاءُ . وهذا القول يومئُ به إلى الحجاج ، وله مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره ۱ .
الشّرْحُ :
الصعيد : التراب ، ويقال وجه الأرض ، والجمع صُعُد وصُعُدات ، كطرِيق وطرُق وطُرُقات . والالتدام : ضرب النساء صدورَهنّ في النّياحة . ولا خالف عليها : لا مستخلف .
قوله : « ولهمّت كلَّ امرئ منكم نفسه » ، أي أذابته وأنحلته ، هممتُ الشّحم ، أي أذبته . ويروى : « ولأهمّت كلَّ امرئ » ، وهو أصحّ من الرواية الأُولى ؛ أهمّني الأمر ، أي أحزنني . وتاه عن فلان رأيه ، أي عزَب وضلّ .
ثم ذكر أنه يودّ ويتمنّى أن يفرّق اللّه بينه وبينهم ، ويلحقه بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم وبالصالحين من أصحابه ، كحمزة وجعفر عليهماالسلام وأمثالهما ، ممّن كان أمير المؤمنين يُثْنِي عليه . ويحمَد طريقته من الصحابة . فمضوْا قُدُماً ، أي متقدّمين غير معرّجين ولا معرّدين ۲ . وأوجفوا : أسرعوا . ويقال : غنيمة باردة وكرامة باردة ، أي لم تؤخذ بحرب ولا عسف ؛ وذلك لأنّ المكتسب بالحرب جارٍ في المعنى لما يلاقي ويعاني في حصوله من المشقّة .