عَلَى رَفْضِ الآجِلِ وَحُبِّ الْعَاجِلِ ، وَصَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ ، صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ ، وَأَحْرَزَ رِضَى سَيِّدِهِ .
الشّرْحُ :
قوله عليه السلام : « فإنها منزل قُلْعة » بضم القاف وسكون اللام ، أي ليست بمستوطنة . ويقال : هذا مجلس قُلْعة ، إذا كان صاحبهُ يحتاج إلى أن يقوم مرة بعد مرة . ويقال : هم على قُلْعة ، أي على رحلة ، والقلعة أيضا : المال العاريّة ، وفي الحديث : « بئس المال القلعة » . والنّجْعة : طلب الكلإ في موضعه ، وفلان ينتجع الكلأ ، ومنه انتجعت فلاناً ، إذا أتيته تطلب معروفه .
ثم وصف هوان الدنيا على اللّه تعالى ، فقال : « من هوانها أ نّه خَلَط حلالها بحرامها ... » الكلام ، مراده تفضيل الدار الآتية على هذه الحاضرة ، فإنّ تلك صفو كلّها وخير كلّها ، وهذه مشوبة ، والكَدَر والشرّ فيها أغلب من الصَّفْوِ والخير . ويروى : « ولم يضنّ بها على أعدائه » ، والرواية المشهورة « عن أعدائه » ، وكلاهما مستعمل . والزهيد : القليل . والعتيد : الحاضر . والسيْر : سير المسافر .
ثم أمرهم بأنْ يجعلوا الفرائض الواجبة عليهم من جُملة مطلوباتهم، وأن يسألوا اللّه من الإعانة والتوفيق على القيام بحقوقه الواجبة ، كما سألهم، أي كما ألزمهم وافترض عليهم، فسمَّى ذلك سؤالاً لأجل المقابلة بين اللفظين ، كما قال سبحانه : « وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا » ۱ ، وكما قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « فإنّ اللّه لا يَمَلّ حتى تَمَلُّوا » .
ثم أمرهم أن يُسمعوا أنفسهم دعوة الموت قبل أن يحضر الموت ، فيَحلّ بهم . ومثل قوله : « تبكي قلوبهم وإن ضحكوا » قول الشاعر ، وإن لم يكن هذا المقصِد بعينه قَصَد :
كَمْ فَاقَةٍ مستورةٍ بمروءةوضرورةٍ قد غُطّيَتْ بتجمُّلِ
ومن ابتسامٍ تحته قلبٌ شجٍقد خامرتْه لوعةٌ ما تنْجَلِي
والمقت : البغض . واغتبطوا : فرحوا . وقوله : « أملَك بكم » مثل « أوْلى بكم » . وقوله : « والعاجلة أذهب بكم من الآجلة » ، أي ذهبت العاجلةُ بكم واستولت عليكم أكثرَ مما ذهبت بكم الآخرة ، واستولت عليكم .
ثمّ ذكر أن الناس كلهم مخلوقون على فِطْرَة واحدة، وهي دين اللّه وتوحيده؛ وإنما اختلفوا