* أني لرَيب الدّهْرِ لا أتضعضع ۱ *
وضعضعت البناء : أهدمته . وعَفّرتْهُم للمناخر . ألصقت أنوفهم بالعَفَر ، وهو التراب . والمناسم : جمع منسِم ، بكسر السين ، وهو خُفّ البعير . ودان لها : أطاعها ، ودان لها أيضا : ذلّ . وأخلد إليها : مال ، قال تعالى : « وَلَكِنهٌ أخْلَدَ إلَى الأَرْضِ » ۲ ، والسّغَب : الجوع ، يقول : إنما زودتهم الجوع ، وهذا مثَل ، كما قال : ومدحتُه فأجازَنِي الحرمانا .
ومعنى قوله : « أو نوّرت لهم إلاّ الظلمة » ، أي بالظلمة ، وهذا كقوله : « هل زودتهم إلاّ السّغب » . وهو من باب إقامة الضدّ مقام الضدّ ، أي لم تسمح لهم بالنور بل بالظلمة . والضنك: الضيق . ثم قال : فبئست الدار ، وحذف الضمير العائد إليها وتقديره « هي » كما قال تعالى : « نِعْمَ الْعَبْدُ » ۳ ، وتقديره : « هو » . ومن لم يتّهمها : من لم يسؤ ظنَّا بها . والصفيح : الحجارة . والأجنان : القبور ، الواحد جَنَن ، والمجنون : المقبور ، ومنه قول الأعرابية : « للّه درّك من مجنون في جَنَن ! » . والأكنان : جمع كِنّ : وهو السّتْر ، قال تعالى : « وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَانَاً » ۴ . والرّفات : العظام البالية . والمندبة : الندْب على الميت . لا يبالون بذلك : لا يكترثون به . وجِيدُوا : مطروا . وقُحِطوا : انقطع المطر عنهم فأصابهم القَحْط ، وهو الجدب وإلى معنى قوله عليه السلام : « فهم جيرة لا يجيبون داعيا ، ولا يمنعون ضيما ، جميع وهم آحاد ، وجيرة وهم أبعاد ، متدانون لا يتزاورون ، وقريبون لا يتقاربون » .
واعلم أنّ هذه الخطبة ذكرها شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب « البيان والتبيين » ۵ ، ورواها لقَطَرِيّ بن الفجاءة ، والناس يروونها لأمير المؤمنين عليه السلام ، وقد رأيتها في كتاب « المونق » لأبي عبيد اللّه المرزباني مروية لأمير المؤمنين عليه السلام ، وهي بكلام أمير المؤمنين أشبه ، وليس يبعد عندي أن يكون قطريّ قد خطب بها بعد أن أخذها عن بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، فإن الخوارج كانوا أصحابه وأنصاره ، وقد لقي قَطَريّ أكثرَهم .