389
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

وَحَرِيٌّ إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِيَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً ، وَإِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ وَاحْلَوْلَى ، أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَى!
لاَ يَنَالُ امْرُو مِنْ غَضَارَتِهَا رَغَباً ، إِلاَّ أَرْهَقَتْهُ مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً ! وَلاَ يُمْسِي مِنْهَا فِي جَنَاحِ أَمْنٍ ، إِلاَّ أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ خَوْفٍ . غَرَّارَةٌ ، غُرُورٌ مَا فِيهَا ، فَانِيَةٌ ، فَانٍ مَنْ عَلَيْهَا ، لاَ خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَزْوَادِهَا إِلاَّ التَّقْوَى . مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُؤمِنُهُ ! وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُوبِقُهُ ، وَزَالَ عَمَّا قَلِيلٍ عَنْهُ . كَمْ مِنْ وَاثِقٍ بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ ، وَذِي طُمَأْنِينَةٍ قَدْ صَرَعَتْهُ ، وَذِي أُبّهَةٍ قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِيراً ، وَذِي نَخْوَةٍ قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِيلاً!
سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ ، وَعَيْشُهَا رَنِقٌ ، وَعَذْبُهَا أُجَاجٌ ، وَحُلْوُهَا صَبِرٌ ، وَغِذَاؤهَا سِمَامٌ ، وَأَسْبَابُهَا رِمَامٌ ! حَيُّهَا بِعَرَض مَوْتٍ ، وَصَحِيحُهَا بِعَرَض سُقْمٍ ! مُلْكُهَا مَسْلُوبٌ ، وَعَزِيزُهَا مَغْلُوبٌ ، وَمَوْفُورُهَا مَنْكُوبٌ ، وَجَارُهَا مَحْرُوبٌ ! أَلَسْتُمْ فِي مَسَاكِنِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً ، وَأَبْقَى آثَاراً ، وَأَبْعَدَ آمَالاً ، وَأَعَدَّ عَدِيداً ، وَأَكْثَفَ جُنُوداً ! تَعَبَّدُوا لِلدُّنْيَا أَيَّ تَعَبُّدٍ ، وَآثَرُوهَا أَيَّ إِيثَارٍ ، ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْهَا بِغَيْرِ زَادٍ مُبَلِّغٍ وَلاَ ظَهْرٍ قَاطِعٍ . فَهَلْ بَلَغَكُمْ أَنَّ الدُّنْيَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِفِدْيَةٍ ، أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَةٍ ، أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَةً ؟ بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بِالْفَوَادِحِ ، وَأَوْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ ، وَضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ ، وعَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ ، وَوَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ ، وَأَعَانَتْ عَلَيْهِمْ رَيْبَ الْمَنُونِ . فَقَدْ رَأَيْتُمْ تَنَكُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا ، وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ إِلَيْهَا ، حِينَ ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ الأبَدِ . وَهَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلاَّ السَّغَبَ ، أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلاَّ الضَّنْكَ ، أَوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلاَّ الظُّلمَةَ ، أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلاَّ النَّدَامَةَ!
أَفَهذِهِ تُؤثِرُونَ ، أَمْ إِلَيْهَا تَطْمَئِنُّونَ ، أَمْ عَلَيْهَا تَحْرِصُونَ ! فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ يَتَّهِمْهَا ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى وَجَلٍ مِنْهَا!
فَاعْلَمُوا ـ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ـ بِأَنَّكُمْ تَارِكُوهَا وَظَاعِنُونَ عَنْهَا ، وَاتَّعِظُوا فِيهَا بِالَّذِينَ


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
388

قوله : « نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ » ۱ .
ثم ذكر أن العالم الذي لا يعمل بعلمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله . ثم قال : « بل الحجّة عليه أعظم » ؛ لأ نّه يعلم الحقّ ولا يعمل به ، فالحجّة عليه أعظم من الحجّة على الجاهل ، وإن كانا جميعا محجوجَيْن ، أما أحدُهما فبِعلمه ، وأما الآخر فبتمكُّنه من أن يعلم . ثم قال : « والحسرة له ألزم » ؛ لأ نّه عند الموت يتأسّف ألاَّ يكون عمِل بما علم ، والجاهل لا يأسَف ذلك الأسف . ثم قال : « وهو عند اللّه ألوم » ، أي أحقّ أن يلام ؛ لأنّ المتمكّن عالم بالقوة ، وهذا عالم بالفعل ، فاستحقاقه اللوم والعقاب أشدّ .

۱۱۰

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامأَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا ، فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ ، وَتَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ ، وَرَاقَتْ بِالْقَلِيلِ ، وَتَحَلَّتْ بِالآمَالِ ، وَتَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ . لاَ تَدُومُ حَبْرَتُهَا ، وَلاَ تُؤمَنُ فَجْعَتُهَا . غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ ، حَائِلَةٌ زَائِلَةٌ ، نَافِدَةٌ بَائِدَةٌ ، أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ . لاَ تَعْدُو ـ إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِيَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَالرِّضَاءِ بِهَا - أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى : « كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْض فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً » ۲ .
لَمْ يَكُنِ امْرُو مِنْهَا فِي حَبْرَةٍ إِلاَّ أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةً ؛ وَلَمْ يَلْقَ مِنْ سَرَّائِهَا بَطْناً ، إِلاَّ مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً ؛ وَلَمْ تَطُلَّهُ فِيهَا دِيمَةُ رَخَاءٍ ، إِلاَّ هَتَنَتْ عَلَيهِ مُزْنَةُ بَلاَءٍ !

1.سورة يوسف ۳ .

2.سورة الكهف ۴۵ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8333
صفحه از 712
پرینت  ارسال به