387
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

وخامسها : إيتاء الزكاة ، وإنما أخّرها عن الصلاة ؛ لأنّ الصلاة آكد افتراضاً منها ؛ وإنما قال في الزكاة « فإنها فريضة واجبة » ؛ لأنّ الفريضة لفظ يطلق على الجزء المعيّن المقدر في السائمة ، باعتبارٍ غير الاعتبار الذي يطلق به على صلاة الظهر لفظ الفريضة ؛ والاعتبار الأوّل من القطع ، والثاني من الوجوب ، وقال : فإنّها فريضة واجبة ؛ مثل أن يقول : فإنها شيء مقتطع من المال موصوف بالوجوب .
وسادسها : صوم شهر رمضان ؛ وهو أضعف وجوبا من الزكاة ، وجعله جُنّة من العقاب ، أي سترة .
وسابعها : الحجّ والعمرة ، وهما دون فريضة الصّوْم ، وقال : إنهما ينفيان الفقر ، ويَرْحضان الذنب ، أي يغسلانه .
وثامنها : صِلَة الرّحم وهي واجبة ، وقطيعة الرحم محرّمة ، قال : فإنها مثراة في المال ، أي تُثريه وتكثره . ومَنْسأة في الأجل ، أي تنسَؤُه وتؤخّره ، ويقال : نسأ اللّه في أجلك . ويجوز إنساء بالهمزة .
ثم قال عليه السلام : « وصدقة السرّ » ، فخرج من الواجبات إلى النوافل ، « فإنَّها تكفّر الخطيئة » ، والتكفير هو إسقاط عقاب مستحقّ بثواب أزيد منه أو توبة ، وأصله في اللغة السَّتْر والتغطية ، ومنه الكافر ؛ لأ نّه يغطّي الحق ، وسمّي البحر كافراً لتغطيته ما تحته ، وسمّي الفلاَّح كافراً لأ نّه يغطّي الحبّ في الأرض المحروثة . ثم قال : « وصدقة العلانية » ، فإنها تدفع ميتة السوء كالغرق والهدم وغيرها .
قال : « وصنائع المعروف ، فإنها تقي مصارع الهوان » كأسْر الروم للمسلم ، أو كأخذ الظَّلمَة لغير المستحقّ للأخذ .
ثم شرع في وصايا أُخَرَ عدّدها . والهدى : السيرة ، وفي الحديث . « واهدوا هَدْي عَمّار » يقال : هُدِيَ فلان هَدْيَ فلان ، أي سار سيرته . وسمّى القرآن حديثا ، اتباعا لقول اللّه تعالى : « نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابا مُتَشَابِها » ۱ . ثم قال : « تفقَّهوا فيه فإنه ربيع القلوب » ، من هذا أخذ ابن عباس قوله : « إذا قرأت الم ، حم ، وقعت في روضات دمِثاتٍ » . ثم قال : « فإنه شفاء الصدور » ، وهذا من الألفاظ القرآنية ۲ . ثم سمّـاه قصصاً ، اتباعاً لما ورد في القرآن من

1.سورة الزمر ۲۳ .

2.وهو قوله تعالى في سورة الإسراء ۸۲ : « وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ » .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
386

وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ ، وَأَحْسِنُوا تِلاَوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَص . وَإِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِي لاَ يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ؛ بَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ، وَالْحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ ، وَهُوَ عِنْدَ اللّهِ ألوَمُ .

الشّرْحُ :

ذَكَر عليه السلام ثمانية أشياء ، كلٌّ منها واجب .
أولها : الإيمان باللّه وبرسوله ؛ ويعني بالإيمان هاهنا مجرد التصديق بالقلب ، مع قَطْع النظر عما عدَا ذلك من التلفّظ بالشهادة ، ومن الأعمال الواجبة ، وترك القبائح . وقد ذهب إلى أن ماهيّة الإيمان هو مجرد التصديق القلْبيّ جماعة من المتكلمين ۱ ، ومجيئه عليه السلام به على أصل الوضع اللغويّ لا يبطل مذهبنا في مسمّى الإيمان ؛ لأنا نذهب إلى أنّ الشرع استجدّ لهذه اللفظة مسمىًّ ثانياً ، كما نذهب إليه في الصلاة والزكاة وغيرهما .
وثانيها : الجهاد في سبيل اللّه ، وإنما قدّمه على التلفّظ بكلمتَي الشهادة ؛ لأ نّه من باب دفع الضّرر عن النفس ، ودفع الضّرر عن النفس مقدّم على سائر الأعمال المتعلّقة بالجوارح ، وإنما جعله ذِرْوة الإسلام ، أي أعلاه ؛ لأ نّه ما لم تتحصّن دار الإسلام بالجهاد ، لا يتمكّن المسلمون من القيام بوظائف الاسلام ؛ فكان إذا من الإسلام بمنزلة الرأس من البدن .
وثالثها : كلمة الإخلاص ؛ يعني شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وشهادة أنّ محمدا رسول اللّه ، قال : فإنها الفطرة ؛ يعني هي التي فطر الناس عليها ، والأصل الكلمة الأُولى ؛ لأنها التوحيد ، وعليها فطِر البشرُ كلّهم ، والكلمة الثانية تَبَعٌ لها فأجريت مجراها ، وإنما أُخّرت هذه الخصلة عن الجهاد ؛ لأنّ الجهاد هو كان السبب في إظهار الناس لها ونطقهم بها ؛ فصار كالأصل بالنسبة إليها .
ورابعها : إقام الصلاة ، أي إدامتها ، والأصل « أقام إقواماً » ، فحذفوا عين الفعل ، وتارة يعوّضون عن العين المفتوحة هاء ، فيقولون : « إقامة » . قال : فإنها الملة ، وهذا مثل قول النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : « الصّلاة عماد الدين ، فمن تركها فقد هَدَم الدين » ۲ .

1.هذا هو الإيمان النظري وهو مجرد التصديق بالقلب ، أمّا الإيمان الواقعي فهو الاعتقاد مع العمل . وفي الحديث : « الإيمان إقرار باللّسان ، وعقد بالقلب ، وعمل في الأركان » سنن ابن ماجه ۱ : ۲۵ ح۶۵ .

2.عوالي اللئالي لابن أبي جمهور الأحسائي ۱ : ۳۲۲ ح۵۵ ، كشف الخفاء للعجلوني ۲ : ۳۱ ح۱۶۲۱ . وسوف يأتي في شرح الخطبة (۱۹۲) بلفظ : لاصلاة عمود الدين .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8584
صفحه از 712
پرینت  ارسال به