وَبَسَطَهَا لِغَيْرِهِ احْتِقَاراً ، فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ ، وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ ، لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً ، أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً . بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ مُنْذِراً ، وَدَعَا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً وَخَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً .
الشّرْحُ :
فَعّل مشدّد ، للتكثير ، « قتّلت » أكثر من « قَتَلْت » ، فيقتضي قوله عليه السلام : « قد حقّر الدنيا » زيادة تحقير النبي صلى الله عليه و آله وسلم لها ، وذلك أبلغ في الثناء عليه وتقريظه .
قوله : « وَصَغّرها » ، أي وصغّرها عند غيره ؛ ليكون قوله : « وأَهْوَنَ بها وهوّنها » مطابقا له ، أي أهون هو بها وهَوّنها عند غيره . وزواها : قبضها ، قال عليه الصلاة والسلام : « زُوِيَتْ لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها » ۱ . وقوله : « اختيارا » ، أي قبض الدّنيا عنه باختيار ورضا من النبي صلى الله عليه و آله وسلم بذلك ، وعلمٍ بما فيه من رفعة قدره ، ومنزلته في الآخرة .
« والرياش والريش » بمعنى ، وهو اللباس الفاخر ، كالحرم والحرام ، واللّبس واللباس ، وقرئ « ريشاً ورياشاً » « وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ » ۲ ، ويقال : الريش والرياش : المال والخِصْب والمعاش ، وارتاش فلان : حسنت حاله . ومعذراً : أي مبالغا ، أعذر فلان في الأمر ، أي بالغ فيه .
الأصْلُ :
۰.نَحْنُ شَجَرَةُ النّبُوَّةِ ، وَمَحَطُّ الرِّسَالَةِ ، وَمُخْتَلَفُ الْمَلاَئِكَةِ ، وَمَعَادِنُ الْعِلْمِ ، وَيَنَابِيعُ الْحُكْمِ ، نَاصِرُنا وَمُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ ، وَعَدُوُّنا وَمُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ .
الشّرْحُ :
هذا الكلام غير ملتصِق بالأول كلّ الالتصاق، وهو من الَّنمَط الذي ذكرناه مرارا؛ لأنَ الرضيّ رحمه اللهيقتضب فصولاً من خطبة طويلة، فيوردها إيرادا واحداً ، وبعضها منقطع عن البعض .