379
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

والغِرّة : الاغترار والغَفْلة ، والغارّ : الغافل ، وقد اغتررتُ بالرجل ، واغترّه زيد ، أي أتاه على غِرّة منه ، ويجوز أن يعني بقوله : « المأخوذين على الغرّة » الحداثة والشبيبة ، يقول : كان ذلك في غَرارتي وغرّتي ، أي في حداثتي وصبايَ .
قوله : « سكْرة الموتِ وحسرة الفَوْت » ، أي الحسرة على ما فاتهم من الدنيا ولذّتها ، والحسرة على ما فاتهم من التوبة والندم واستدراك فارط المعاصي . والولوج : الدخول ، وَلَج يلِج . قوله : « وبقاءٍ من لبِّه » أي لبُّه باق لم يعدم ، ويروى « ونقاء » بالنون ، والنّقاء : النظافة ، أي لبّه غير مغمور .
أغمض في مطالبها ، أي تساهل في دينه في اكتسابه إياها ، أي كان يفني نفسَه بتأويلات ضعيفة في استحلال تلك المطالب والمكاسب ، فذاك هو الإغماض قال تعالى : « وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ » ۱ ، ويمكن أن يُحمَل على وجه آخر ، وهو أنه قد كان يحتال بحيلٍ غامضة دقيقة في تلك المطالب حتى حصلها واكتسبها . قوله عليه السلام : « وأخذها من مصَرّحاتها ومشتبهاتها » ، أي من وجوه مباحة وذوات شبهة ، وهذا يؤكد المحمل الأول في « أغمض » .
والتبعات : الآثام ، الواحدة تبعة ومثلها التباعة . والمهنأ : المصدر من هَنِئ الطعام وهَنُؤ بالكسر والضم ، مثل فَقِه وفَقُه ، فإن كسرت قلت : « يهنأ » ، وإن ضممت قلت : « يهنؤ » ، والمصدر « هناءة » و « مهنأ » ، أي صار هنيئا . والعب ء : الحمل ، والجمع أعباء . وغَلِق الرّهن ، أي استحقّه المرتهِن ، وذلك إذا لم يُفْتَكَكْ في الوقت المشروط .
فإن قلت : فما معنى قوله عليه السلام : « قد غَلِقتْ رهونُه بها » في هذا الموضع؟
قلت : لمَّا كان قد شارفَ الرحيلَ وأشفى على الفراق ، صارت تلك الأُمور التي جمعها مستحقة لغيره ، ولم يبقَ له فيها تصرُّف ، وأشبهت الرّهن الذي غَلِقَ على صاحبه ، فخرج عن كونه مستحقّا له ، وصار مستَحقّا لغيره ، وهو المرتهِن .
وأصحر : انكشف ، وأصله الخروج إلى الصحراء والبروزُ من المكمن . رجع كلامهم : ما يتراجعونه بينهم من الكلام . ازداد الموت التياطاً به ، أي التصاقاً . قد أُوحِشُوا ، أي جعلوا متوحّشين ، والمستوحِش : المهموم الفزِع ، ويروى « أوْحشوا من جانبه » ، أي خلوْا منه وأقفروا ، تقول : قد أوحش المنزل من أهلِه ، أي أقفر . وخلا إلى مخطّ في الأرض ، أي إلى

1.سورة البقرة ۲۶۷ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
378

فإن قلت : فما معنى قوله : « واستجماع أهوائهم فيك » ؟ وهل للملائكة هَوىً ؟ وهل تستعمل الأهواء إلاّ في الباطل؟
قلت : الهوى : الحبُّ وميْل النفس ، وقد يكون في باطل وحقّ ، وإنما يحمل على أحدهما بالقرينة ، والأهواء تستعمل فيهما ، ومعنى استجماع أهوائهم فيه : أنَّ دواعيَهم إلى طاعته وخدمته لا تنازعُها الصوارف ، وكانت مجتمعة مائلة إلى شقّ واحد .
فإن قلت : الباء في قوله : « بحسن بلائك » بماذا تتعلق؟
قلت : الباء هاهنا للتعليل بمنى اللام ، كقوله تعالى : « ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تأتِيهِمْ رُسُلُهمْ » ۱ ، أي لأنّهم ، فتكون متعلقة بما في « سبحانك » من معنى الفعل ، أي أسبحك لحسن بلائك . ويجوز أن تتعلّق بمعبود ، أي يعبد لذلك .
ثم قال : « خلقت داراً » يعني الجنة . والمأدَبة والمأدُبة ، بفتح الدال وضمها : الطعام الذي يُدعَى الإنسان إليه . وفي هذا الكلام دلالة على أن الجنة الآن مخلوقة ، وهو مذهب أكثر أصحابنا .
ومعنى قوله : « وزروعاً » أي وغروسا من الشجر ، يقال : زرعت الشجر ، كما يقال : زرعت البرّ والشعير ، ويجوز أن يقال : الزروع : جمع زَرعْ وهو الإنبات ، يقال : زرعه اللّه أي أنبته . قوله : ثم أرسلت داعياً يعني الأنبياء . وأقبلوا على جِيفة ، يعني الدنيا . ومن كلام الحسن رضى اللّه عنه : إنّما يتهارشون على جِيفةٍ . وإلى قوله : « ومن عشق شيئا أعشى بصره » نظر الشاعر ، فقال :

وَعَيْنُ الرِّضا عن كلِّ عيب كليلةٌكما أنّ عين السخط تبدي المساويا
قد خرقت الشهواتُ عقله ، أي أفسدته كما تخرِق الثوب فيفسد . وإلى قوله : « فهو عبد لها ولمن في يديه شيء منها » نظر ابن دريد ، فقال :

عَبيدُ ذِي المال وإنْ لم يَطمعُوامِنْ مالِهِ في نُغْبةٍ تَشْفي الْصَّدَا
وهم لمن أملَق أعداءٌ وإنشاركهم فيما أفاد وحَوَى
وإلى قوله : « حيثما زالت زال إليها ، وحيثما أقبلت أقبل عليها » نظر الشاعر ، فقال :

ما الناس إلاَّ مع الدنّيا وصاحِبِهافكيفما انقلبتْ يوماً به انقلبُوا
يعظِّمُون أخا الدنيا فإن وثبتْيوماً عليه بما لا يشتهي وَثَبُوا

1.سورة غافر ۲۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8807
صفحه از 712
پرینت  ارسال به